للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد استُدِلَّ بهذين الحديثين؛ على مشروعية الاستفصال للمقرِّ بالزنا، وظاهر ذلك عدم الفرق بين من يجهل الحكم ومن يعلمه ومن كان منتهكًا للحرم ومن لم يكن كذلك، لأن ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم في المقال (١)، وذهبت المالكية إلى أنه لا يلقن من اشتهر بانتهاك الحرم، وقال أبو ثور: لا يلقن إلا من كان جاهلًا للحكم وإذا قصر الإمام في الاستفصال ثم انكشف بعد التنفيذ وجود مسقط للحد فقيل: يضمن الدية من ماله إن تعمد التقصير وإلا فمن بيت المال. وقيل: على عاقلة الإمام قياسًا على جناية الخطأ.

قال في "ضوء النهار" (٢): والحقُّ أنه إذا تعمد التقصير في البحث عن المسقط المجمع على إسقاطه اقتص منه، وإلا فلا يضمن إلا الدية لما عرفت من كون الخلاف شبهة. اهـ.

وهذا إنَّما يَتُمُّ بعد تسليم أن استفصالَ المقِرِّ عن المسقِطَاتِ المجمعِ عليها واجبٌ على الإمام، وشرط في إقامة الحد يستلزم عدمه العدم كما هو شأن سائر الشروط على ما عرف في الأصول.

والواجبات والشروط لا تثبت بمجرد فعله ، وليس في المقام إلا ذلك وغايته الندب.

وأما الاستدلال على الوجوب: بأنَّ الإمام حاكم، والحاكم يجب عليه التثبت.

فيمكن مناقشته بمنع الصغرى، والسند أنَّ الحاكم هو من يفصل الخصومات بين العباد عند الترافع إليه، ولا خصومة ههنا بل مجرد التنفيذ لما شرعه الله على من تعدى حدوده بشهادة لسانه عليه بذلك، وكون المانع مجوّزًا لا يستلزم القدح في صحة الحكم الواقع بعد كمال السبب وهو الإقرار بشروطه وإلا لزم ذلك في الإقرار بالأموال والحقوق، فيجب على الحاكم مثلًا بعد أن يقر عنده رجل بأنه أخذ مال رجل أن يقول له: لعلك أردت المجاز ولم يصدر منك الأخذ حقيقةً لعلك كذا لعلك كذا، واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله.


(١) البحر المحيط (٣/ ١٤٨) وتيسير التحرير (١/ ٢٦٤).
(٢) "ضوء النهار" (٤/ ٢٢٦٥ - ٢٢٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>