للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالمتخذ من العنب وعلى تقدير التسليم، فإذا ثبت تسمية كل مسكرٍ خمرًا من الشرع كان حقيقة شرعيةً، وهي مقدمةٌ على الحقيقة اللغوية.

والجواب عن الحجة الثانية: أن اختلاف مشتركَيْن في الحكم لا يلزم افتراقهما منه في التسمية كالزنا مثلًا؛ فإنَّه يصدق على من وطئ أجنبيةً، وعلى من وطئ امرأة جاره.

والثاني أغلظ من الأوّل، وعلى من وطئ مَحْرَمًا له، وهو أغلظ منهما، واسم الزنا مع ذلك شامل للثلاثة. [وأيضًا] (١) فالأحكام الفرعية لا تشترط فيها الأدلة القطعية، فلا يلزم من القطع بتحريم المتَّخذ من العنب، وعدم القطع بتحريم المتَّخذ من غيره أن لا يكون حرامًا، بل يحكم بتحريمه وكذا تسميته خمرًا.

وعن الثالثة ثبوت النقل عن أعلم الناس بلسان العرب كما في قول عمر: الخمر ما خامر العقل، وكان مستنده ما ادّعاه من اتفاق أهل اللغة، فيحمل قول عمر على المجاز، لكن اختلف قول أهل اللغة في سبب تسمية الخمر خمرًا، فقال ابن الأنباري (٢): لأنها تخامر العقل؛ أي: تخالطه.

وقيل: لأنها تخمر العقل؛ أي: تستره، ومنه خمار المرأة؛ لأنَّه يستر وجهها، وهذا أخصُّ من التفسير الأوّل؛ لأنَّه لا يلزم من المخالطة التغطية.

وقيل: سميت خمرًا لأنها تخمر؛ أي: تترك كما يقال: خمرت العجين؛ أي: تركته، ولا مانع من صحة هذه الأقوال كلِّها لثبوتها عن أهل اللغة، وأهل المعرفة باللسان.

قال ابن عبد البر (٣): الأوجه كلها موجودة في الخمر.

وقال القرطبي (٤): الأحاديث الواردة عن أنس (٥) وغيره على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب، وما كانت من


(١) ما بين الحاصرتين سقط من المخطوط (أ).
(٢) حكاه عنه الحافظ في "الفتح" (١٠/ ٤٨).
(٣) في "التمهيد" (١٤/ ١٦٧ - الفاروق).
(٤) في "المفهم" (٥/ ٢٠٥٢).
(٥) تقدم برقم (٣٦٩٢) و (٣٦٩٣) من كتابنا هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>