للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد تقرَّرَ أن نزول تحريم الخمر وهي من البسر إذ ذاك فيلزم من قال: إن الخمر حقيقة في ماء العنب مجاز في غيره أن يجوّز إطلاق اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه؛ لأن الصحابة لما بلغهم تحريم الخمر أراقوا كل ما يطلق عليه لفظ الخمر حقيقة ومجازًا، وهو لا يجوّز ذلك، فصحّ أن الكل خمر حقيقة ولا انفكاك عن ذلك.

وعلى تقدير إرخاء العنان والتسليم بأن الخفر حقيقة في ماء العنب خاصة، فإنما ذلك من حيث الحقيقة اللغوية، فأما من حيث الحقيقة الشرعية فالكل خمر حقيقةً، لحديث: "كلُّ مسكرٍ خمرٌ" (١)، فكل ما اشتدّ كان خمرًا، وكل خمر يحرم قليله وكثيره، وهذا يخالف قولهم، وبالله التوفيق.

قال الخطابيُّ (٢): إنما عدّ عمر الخمسة المذكورة لاشتهار أسمائها في زمانه، ولم تكن كلها توجد بالمدينة الوجود العام، فإنَّ الحنطة كانت بها عزيزة، وكذا العسل، بل كان أعزَّ، فعدَّ عمر ما عرف منها، وجعل ما في معناه مما يتخذ من الأرز وغيره خمرًا إن كان مما يخامر العقل.

وفي ذلك دليل: على جواز إحداث الاسم بالقياس وأخذه من طريق الاشتقاق.

وذكر ابن حزم (٣) أن بعض الكوفيين احتجّ بما خرّجه عبد الرزاق (٤) عن [ابن عمر] (٥) بسند جيد. قال: أما الخمر فحرام لا سبيل إليها. وأما ما عداها من الأشربة فكل مسكر حرام. قال: وجوابه أنه ثبت عن [ابن عمر] (٥) أنه قال: "كل مسكر خمر" (٦) فلا يلزم من تسمية المتخذ من العنب خمرًا انحصار اسم الخمر فيه.

وكذا احتجوا بحديث [ابن عمر] (٥) أيضًا: "حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء" (٧)، مراده المتخذ من العنب، ولم يرد أن غيرها لا يسمى خمرًا.


(١) تقدم برقم (٣٦٩٧) من كتابنا هذا.
(٢) في "معالم السنن" (٤/ ٨٣ - ٨٤ - مع السنن).
(٣) المحلى (٧/ ٤٩٠).
(٤) في "المصنف" رقم (١٧٠٠٨).
(٥) في المخطوط (أ): عمرو، والمثبت من (ب).
(٦) تقدم برقم (٣٦٩٧) من كتابنا هذا.
(٧) أخرجه البخاري رقم (٥٥٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>