للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عند أهله، لأن الأمراض الامتلائية دموية، أو صفراوية، أو سوداوية، أو بلغمية، فإن كانت دموية فشفاؤها إخراج الدم، وإن كانت من الثلاثة الباقية فشفاؤها بالإِسهال بالمسهل اللائق بكل خلطٍ منها.

فكأنه نبه بالعسل على المسهلات وبالحجامة على إخراج الدم بها وبالفصد ووضع العلق وما في معناها، وذكر الكيّ لأنه يستعمل عند عدم نفع الأدوية المشروبة ونحوها، فآخر الطبّ الكيّ.

والنهي عنه إشارة إلى تأخير العلاج بالكيّ حتى يضطرّ إليه لما فيه من استعجال الألم الشديد. في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكيّ.

قوله: (نهى عن الكي فاكتوينا) قال ابن رسلان: هذه الرواية فيها إشارة: إلى أنه يباح الكيّ عند الضرورة بالابتلاء بالأمراض المزمنة؛ التي لا ينجع فيها إلا الكيّ، ويخاف الهلاك عند تركه.

ألا تراه كوى سعدًا لما لم ينقطع الدم من جرحه وخاف عليه الهلاك من كثرة خروجه كما يكوى من تقطع يده أو رجله.

ونهى عمران بن حصين عن الكيّ؛ لأنه كان به ناصور وكان موضعه خطرًا فنهاه عن كيه، فتعين أن يكون النهي خاصًّا بمن به مرض مخوف.

ولأن العرب كانوا يرون: أن الشافي لما لا شفاء له بالدواء هو الكيُّ، ويعتقدون أن من لم يكتو هلك، فنهاهم عنه لأجل هذه النية.

فإن الله تعالى هو الشافي (١).

قال ابن قتيبة (٢): الكيّ جنسان كيّ الصحيح لئلا يعتل، فهذا الذي قيل فيه: لم يتوكل من اكتوى لأنه يريد أن يدفع القدر عن نفسه.


(١) الشافي: يوصف الله ﷿ بأنه الشافي الذي يشفي عباده من الأسقام. والشافي اسم من أسمائه تعالى الثابتة بالسنة الصحيحة.
فعن أبي هريرة، وعائشة ، أن رسول الله قال: "اللهم ربُّ الناس أذهب البأس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا".
[البخاري رقم (٥٧٤٢) ومسلم رقم (٢١٩١)].
(٢) ذكره الحافظ في "الفتح" (١٠/ ١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>