للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن أحاديث الترغيب حديث عبد الله بن أبي أوفى (١) المذكور في الباب.

ولكن هذه الترغيبات إنما هي في حقّ القاضي العادل؛ الذي لم يسأل القضاء، ولا استعان عليه بالشفعاء، وكان لديه من العلم بكتاب الله وسنة رسوله ما يعرف به الحقّ من الباطل بعد إحراز مقدار من آلاتهما يقدر به على الاجتهاد في إيراده وإصداره.

وأما من كان بعكس هذه الأوصاف أو بعضها فقد أوقع نفسه في مضيق وباع آخرته بدنياه، لأن كل عاقل يعلم أن من تسلق للقضاء وهو جاهل بالشريعة المطهرة جهلًا بسيطًا أو جهلًا مركبًا، أو من كان قاصرًا عن رتبة الاجتهاد فلا حامل له على ذلك إلا حبُّ المال، والشرف، أو أحدهما، إذ لا يصحّ أن يكون الحامل من قبيل الدين، لأن الله لم يوجب على من لم يتمكن من الحكم بما أنزل من الحقّ أن يتحمل هذا العبء الثقيل قبل تحصيل شرطه الذي يحرم قبوله قبل حصوله.

فعلم من هذا أن الحامل للمقصرين على التهافت على القضاء والتوثب على أحكام الله بدون ما شرطه ليس إلا الدنيا لا الدين، فإياك والاغترار بأقوال قوم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فإذا لبسوا لك أثواب الرياء والتصنع، وأظهروا شعار التغرير والتدليس والتلبيس وقالوا ما لهم بغير الحقّ حاجة، ولا أرادوا إلا تحصيل الثواب الأخروي فقل لهم: دعوا الكذب على أنفسكم يا قضاة النار بنصّ المختار، فلو كنتم تخشون الله وتتقونه حقّ تقاته لما أقدمتم على المخاطرة بادئ بدء بدون إيجاب من الله ولا إكراه من سلطان ولا حاجة من المسلمين.

وقد كثر التتابع من الجهلة في هذا المنصب الشريف واشتروه بالأموال ممن هو أجهل منهم حتى عمت البلوى بهم جميع الأقطار اليمنية.

قوله: (فهوى أربعين خريفًا) قال في النهاية (٢): هو الزمان المعروف من


(١) تقدم برقم (٣٨٨٥) من كتابنا هذا.
(٢) النهاية (١/ ٤٨٤) وغريب الحديث للهروي (٤/ ٤٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>