للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الشافعي (١): القضاء بشاهد ويمين لا يخالف ظاهر القرآن؛ لأنه لا يمنع أن يجوز أقل مما نصّ عليه؛ يعني والمخالف لذلك لا يقول بالمفهوم أصلًا فضلًا عن مفهوم العدد.

قال ابن العربي (٢): أظرف ما وجدت لهم في ردّ الحكم بالشاهد واليمين أمران:

(أحدهما): أن المراد: قضى بيمين المنكر مع شاهد الطالب. والمراد: أن الشاهد الواحد لا يكفي في ثبوت الحق، فتجب اليمين على المدعى عليه، فهذا المراد بقوله: "قضى بالشاهد واليمين".

وتعقبه ابن العربي (٣) بأنه جهل باللغة، لأن المعية تقتضي أن تكون من شيئين في جهة واحدة لا في المتضادين.

(ثانيهما): حمله على صورةٍ مخصوصةٍ. وهي: أن رجلًا اشترى من آخر عبدًا مثلًا، فادعى المشتري أن به عيبًا وأقام شاهدًا واحدًا، فقال البائع: بعته بالبراءة، فيحلف المشتري أنه ما اشتراه بالبراءة، ويردّ العبد.

وتعقبه بنحو ما تقدم وبندور ذلك فلا يحمل الخبر على النادر.

وأقول: جميع ما أورده المانعون من الحكم بشاهد ويمين غير نافق في سوق المناظرة عند من له أدنى إلمام بالمعارف العلمية، وأقلّ نصيب من إنصاف، فالحقّ أن أحاديث العمل بشاهدٍ ويمينٍ زيادةٌ على ما دلَّ عليه قوله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ﴾ الآية (٤)، وعلى ما دلَّ عليه قوله : "شاهداك أو يمينه" (٥) غير منافية للأصل فقبولها متحتم.

وغاية ما يقال على فرض التعارض - وإن كان فرضًا فاسدًا - أن الآية والحديث المذكورين يدلان بمفهوم العدد على عدم قبول الشاهد واليمين، والحكم بمجرّدهما، وهذا المفهوم (٦) المردود عند أكثر أهل الأصول لا


(١) حكاه الحافظ في "الفتح" (٥/ ٢٨٢) عنه.
(٢) في عارضة الأحوذي (٦/ ٨٨).
(٣) في المرجع السابق (٦/ ٨٨).
(٤) سورة البقرة، الآية: (٢٨٢).
(٥) أخرجه البخاري رقم (٢٦٦٩ و ٢٦٧٠) ومسلم رقم (٢٢١/ ١٣٨) وقد تقدم.
(٦) انظر: "إرشاد الفحول" (ص ٥٨٧) بتحقيقي والبحر المحيط (٤/ ٦). =

<<  <  ج: ص:  >  >>