للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولذا قال ابن دقيق العيد (١): يحتمل أن يكون من الخاصِّ بعد العامّ، لكن ينبغي أن يحمل على التوكيد، فإنَّا لو حملنا القول على الإطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة كبيرةً، وليس كذلك.

قال (٢): ولا شكَّ في عظم الكذب، ومراتبه متفاوتة بحسب تفاوت مفاسده، ومنه قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (١١٢)(٣).

قوله: (حتى قلنا: ليته سكت) أي: شفقةً عليه، وكراهيةً لما يزعجه. وفيه ما كانوا عليه من كثرة الأدب معه والمحبة له والشفقة عليه.

وفي الحديث انقسام الذنوب إلى كبير وأكبر، وليس هذا موضع بسط الكلام على الكبائر، وستأتي إشارة إلى طرف من ذلك في باب التشديد في اليمين الكاذبة.

ويؤخذ من الحديث ثبوت الصغائر؛ لأن الكبائر بالنسبة إليها أكبر منها، والاختلاف في ثبوت الصغائر مشهور، وأكثر ما تمسك به من قال: ليس في الذنوب صغيرة كونه نظر إلى عظم المخالفة لأمر الله ونهيه؛ فالمخالفة بالنسبة إلى جلال الله كبيرة، لكن لمن أثبت الصغائر أن يقول: وهي بالنسبة إلى ما فوقها صغيرة، كما دلّ عليه حديث الباب.

وقد فهم الفرق بين الصغيرة والكبيرة من مدارك الشرع، ويدل على ثبوت الصغائر قوله تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ (٤)، فلا ريب أنَّ السيئات المكفرة ههنا هي غير الكبائر المجتنبة، لأنه لا يكفر إلا ذنب قد فعله المذنب لا ما كان مجتنبًا من الذنوب، فإنه لا معنى لتكفيره.

والكبائر المرادة في الآية مجتنبة، فالسيئات المكفرة غيرها وليست إلا الصغائر؛ لأنها المقابلة لها.


(١) في "إحكام الأحكام" ص ٩٢٠.
(٢) أي ابن دقيق العيد في المرجع المتقدم.
(٣) سورة النساء، الآية: (١١٢).
(٤) سورة النساء، الآية: (٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>