أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بعث معاذًا إلى اليمن) سنة عشر قبل حجة الوداع كما عند المؤلّف في أواخر المغازي، وقيل: في أواخر سنة تسع عند منصرفه من غزوة تبوك. رواه الواقدي وابن سعد في الطبقات (فقال):
(ادعهم) أولاً (إلى) شيئين (شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا) أي: انقادوا (لذلك) أي الإتيان بالشهادتين (فأعلمهم) بفتح الهمزة من الإعلام (أن الله) بفتح الهمزة لأنها في محل نصب مفعول ثان للإعلام والضمير مفعول أول (افترض) ولابن عساكر: قد افترض (عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة) فخرج الوتر (فإن هم أطاعوا لذلك) بأن أقرّوا بوجوبها أو بادروا إلى فعلها (فأعلمهم أن الله افترض) ولأبي ذر: افترض (عليهم صدقة) أي زكاة (في أموالهم تؤخذ) بضم أوله مبنيًا للمفعول (من) مال (أغنيائهم) المكلفين وغيرهم. (وترد على فقرائهم) بالواو في وترد مع ضم التاء مبنيًا للمفعول، وفي نسخة: وبدأ بالأهم فالأهم وذلك من التلطف في الخطاب لأنه لو طالبهم بالجميع في أول الأمر لنفرت نفوسهم من كثرتها واقتصر على الفقراء من غير ذكر بقية الأصناف لمقابلة الأغنياء لأن الفقراء هم الأغلب، والإضافة في قوله فقرائهم تفيد منع صرف الزكاة للكافر وفيه نقل الزكاة عن بلد المال لأن الضمير في قوله فقرائهم يعود على أهل اليمن، وعورض بأن الضمير إنما يرجع إلى فقراء المسلمين وهم أعم من أن يكونوا فقراء أهل تلك البلد أو غيرهم. وأجيب: بأن المراد فقراء أهل اليمن بقرينة السياق، فلو نقلها عند وجوبها إلى بلد آخر مع وجود الأصناف أو بعضهم لا يسقط الفرض.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد والمظالم والمغازي، ومسلم في الإيمان، وأبو داود في الزكاة وكذا الترمذي والنسائي وابن ماجة.
وبه قال:(حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن ابن عثمان) ولأبوي الوقت وذر: عن محمد بن عثمان (بن عبد الله بن موهب) بفتح الميم والهاء بينهما واو ساكنة آخره موحدة (عن موسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي (عن أبي أيوب) خالد بن زيد الأنصاري (رضي الله عنه أن رجلاً) قيل هو أبو أيوب الراوي ولا مانع أن يبهم نفسه لغرض له، وأما تسميته في حديث أبي هريرة الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى بأعرابي فيحمل على التعدد أو هو ابن المنتفق كما رواه البغوي وابن السكن والطبراني في الكبير وأبو مسلم الكجي. وزعم الصريفيني أن ابن المنتفق هذا اسمه لقيط بن صبرة وافد بني المنتفق (قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أخبرني بعمل يدخلني الجنة) برفع الفعل المضارع والجملة المصدرية به في محل جر صفة لعمل، واستشكل الجزم على جواب الأمر لأنه يصير قوله بعمل غير موصوف والنكرة غير الموصوفة لا تفيد. كذا قاله المظهري في شرح المصابيح.
وأجيب: بأن التنكير في عمل للتفخيم أو النوع أي: بعمل عظيم أو معتبر في الشرع، أو يقال جزاء الشرط محذوف تقديره أخبرني بعمل إن عملته يدخلني الجنة فالجملة الشرطية بأسرها صفة لعمل.
(قال) القوم: (ماله ماله) وهو استفهام والتكرار للتأكيد (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أرب ماله) بفتح الهمزة والراء وتنوين الموحدة مع الضم أي حاجة جاءت وهو خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف أي له ارب، وما: زائدة للتقليل أي له حاجة يسيرة قاله الزركشي وغيره، وتعقبه في المصابيح فقال: ليس مبتدأ محذوف الخبر بل مبتدأ مذكور الخبر وساغ الابتداء به، وإن كان نكرة لأنه موصوف بصفة يرشد إليها ما الزائدة والخبر هو قوله له: وأما قوله أي له حاجة يسيرة وما للتقليل فليس كذلك بل ما الزائدة منبهة على وصف لائق بالمحل، واللائق هنا أن يقدر عظيم لأنه سأل عن عمل يدخله الجنة ولا أعظم من هذا الأمر على أنه يمكن أن يكون له وجه.
وروي أرب بكسر الراء وفتح الموحدة بلفظ الماضي كعلم أي: احتاج فسأل لحاجته أو تفطن لما سأل عنه وعقل. يقال: ارب إذا عقل فهو أريب، وقيل: تعجب من حرصه وحسن فطنته ومعناه لله