للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سابع ذي الحجة ويوم عرفة بها وثاني يوم النحر بمنى ووافقهم الشافعي إلا أنه قال: بدل ثاني يوم النحر ثالثه لأنه أول النفر وزاد الرابعة يوم النحر قال وبالناس حاجة إليها ليعلموا أعمال ذلك اليوم من الرمي والذبح والحلق والطواف، واعترضه الطحاوي بأن الخطبة المذكورة ليست من متعلقات الحج لأنه لم يذكر فيها شيئًا من أمور الحج وإنما ذكر فيها وصايا عامة لا على أنها خطبة وشعيرة من شعائر الحج ولم ينقل أحد أنه علمهم فيها شيئًا مما يتعلق بيوم النحر فعرفنا أنها لم تقصد لأجل الحج.

وأجيب: بأن البخاري أراد أن يبين أن الراوي قد سماها خطبة كما سمى التي وقعت في عرفات خطبة، وقد اتفقوا على خطبة يوم عرفة فألحق المختلف فيه بالمتفق عليه قاله ابن المنير في الحاشية، وقد جزم الصحابة ابن عباس وأبو بكر وأبو أمامة عند أبي داود بتسميتها خطبة فلا يلتفت لتأويل غيرهم.

وقد ثبت في حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي السابق وغيره أنه شهد النبي يخطب يوم النحر وفي حديث عبد الرحمن بن معاذ عند أبي داود والنسائي قال: خطبنا رسول الله ونحن بمنى ففتحنا أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار فوضع إصبعيه ثم قال: بحصى الخذف ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد وأمر الأنصار أن ينزلوا من وراء المسجد ثم نزل الناس بعد، (فقال:) في خطبته المذكورة.

(يا أيها الناس) خطابًا للحاضرين معه حينئذ (أي يوم هذا) استفهام تقريري (قالوا: يوم حرام) قال: (فأي بلد هذا) قالوا: بلد حرام قال: (فأي شهر هذا؟) قالوا: (شهر حرام) وليس الحرام عين اليوم والبلد والشهر وإنما المراد ما يقع فيه من القتال، وقال البيضاوي: يريد بذلك تذكارهم حرمة ما ذكر وتقريرها في نفوسهم ليبنى عليها ما أراد تقريره حيث (قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم) جمع عرض بكسر العين وهو ما يمدح به الإنسان ويذم، وقيل الحسب أو الأخلاق النفسانية. قال في شرح المشكاة: والتحقيق ما ذكره صاحب النهاية العرض موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه ولما كان موضع العرض النفس قال: من قال العرض النفس إطلاقًا للمحل على الحال، وحيث كان نسبة الشخص إلى الأخلاق الحميدة والذم نسبته إلى الذميمة سواء كانت فيه أم لا قال من قال العرض الخلق إطلاقًا لاسم اللازم على الملزوم: (عليكم حرام) أي أن انتهاك دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، وهذا أولى من قول من قال: فإن سفك دمائكم وأخذ أموالكم وثلب أعراضكم لأن ذلك إنما يحرم إذا كان بغير حق فلا بدّ من التصريح به فلفظ انتهاك أولى لأن موضوعها لتناول الشيء بغير حق كما مرّ في باب العلم (كحرمة يومكم هذا) يوم النحر (في بلدكم هذا في شهركم هذا) ذي الحجة وإنما شبهها في الحرمة بهذه الأشياء لأنهم كانوا لا يرون استباحتها وانتهاك حرمتها بحال.

وقال ابن المنير: قد استقر في القواعد أن الأحكام لا تتعلق بأفعال المكلفين فمعنى التحريم اليوم والبلد والشهر تحريم أفعال الاعتداء فيها على النفس والمال والعرض فما معنى إذن تشبيه الشيء بنفسه.

وأجاب: بأن المراد أن هذه الأفعال في غير هذ البلد وهذا الشهر وهذا اليوم مغلظة الحرمة عظيمة عند الله فلا يستسهل المعتدي كونه تعدي في غير البلد الحرام والشهر الحرام، بل ينبغي له أن

يخاف خوف من فعل ذلك في البلد الحرام وإن كان فعل العدوان في البلد الحرام أغلظ فلا ينفي كون ذلك في غيره غليطًا أيضًا وتفاوت ما بينهما في الغلظ لا ينفع المعتدي في غير البلد الحرام، فإن فرضناه تعدّي في البلد الحرام فلا يستسهل حرمة البلد بل ينبغي أن يعتقد أن فعله أقبح الأفعال وأن عقوبته بحسب ذلك فيراعي الحالتين.

(فأعادها) أي المذكورات (مرارًا) وأقله ثلاث مرات وهي عادته (ثم رفع رأسه) زاد الإسماعيلي من هذا الوجه: إلى السماء (فقال): (اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟) مرتين أي بلغت ما أمرتني به وإنما قال ذلك لأنه كان التبليغ فرضًا عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>