(قال ابن عباس ﵄: فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته) بفتح لام لوصيته وهي للتأكيد والضمير فيه للنبي ﷺ وفي أنها لقوله: (فليبلغ الشاهد) الحاضر ذلك المجلس (الغائب) عنه والضمير وإن كان مقدّمًا في الذكر فالقرينة تدل على أنه مؤخر فى المعنى، وقول ابن عباس معترض بين قوله ﷺ (هل بلغت)؟ وبين قوله (فليبلغ الشاهد) الغائب (لا ترجعوا بعدي) بعد فراقي من موقفي هذا أو بعد حياتي وفيه استعمال رجع كصار معنى وعملاً قال ابن مالك وهو مما خفي على أكثر النحويين أي لا تصيروا بعدي (كفارًا) أي كالكفار أو لا يكفر بعضهم بعضًا فتستحلوا القتال أو لا تكن أفعالكم شبيهة بأفعال الكفار (يضرب بعضكم رقاب بعض) برفع يضرب جملة مستأنفة مبينة لقوله لا ترجعوا بعدي كفارًا ويجوز الجزم. قال أبو البقاء: على شرط مضمر أي أن ترجعوا بعدي.
ورواة هذا الحديث ما بين مدني وبصري وكوفي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الفتن وكذا الترمذي.
١٧٤٠ - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ. تَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو.
[الحديث ١٧٤٠ - أطرافه في: ١٨١٢،١٨٤١، ١٨٤٣، ٥٨٠٤، ٥٨٥٣].
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث الحوضي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن دينار (قال: سمعت جابر بن زيد) أبا الشعثاء الأزدي اليحمدي (قال: سمعت ابن عباس ﵄ قال: سمعت النبي ﷺ يخطب بعرفات). ولا مطابقة بينه وبين الترجمة على ما لا يخفى، لكن يحتمل أنه قصد التنبيه على إلحاق المختلف فيه بالمتفق عليه كما مرّ. وهذا الحديث طرف من حديث ذكره المؤلّف فيما يأتي إن شاء الله تعالى في باب: لبس الخفين للمحرم عن أبي الوليد عن شعبة بهذا الإسناد، ولفظه: يخطب بعرفات من لم يجد النعلين فليلبس الخفين ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل للمحرم.
وفي هذا الحديث رواية التابعي، عن التابعي عن الصحابي، وأخرجه المؤلّف في الباب المذكور وفي اللباس أيضًا، ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة في الحج، والنسائي أيضًا في الزينة.
(تابعه) أي تابع شعبة بن الحجاج (ابن عيينة) سفيان (عن عمرو) أي ابن دينار المذكور والمراد أنه تابعه في رواية أصل هذا الحديث فإن أحمد أخرجه في مسنده عن سفيان بن عيينة بلفظ: سمعت النبي ﷺ يخطب يقول من لم يجد فذكره فلم يقل عرفات ولا غيرهما.
١٧٤١ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، وَرَجُلٌ أَفْضَلُ فِي نَفْسِي مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ﵁ قَالَ "خَطَبَنَا النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ".
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر وابن عساكر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي الجعفي قال: (حدّثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو العقدي قال: (حدّثنا قرة) بضم القاف وتشديد الراء ابن خالد السدوسي (عن محمد بن سيرين قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الرحمن بن أبي بكرة عن) أبيه (أبي بكرة) نفيع بن الحرث بن كلدة (ورجل) بالرفع عطفًا على عبد الرحمن دخل في الولايات وكان الرجل المذكور وهو (حميد بن عبد الرحمن) الحميري فيما قاله الحافظ ابن حجر زاهدًا أو هو ابن عوف القرشي الزهري كما قاله الكرماني، وكل واحد منهما سمع من أبي بكرة وسمع منه محمد بن سيرين وحميد مرفوع خبر مبتدأ محذوف أو بدل من رجل أو عطف بيان (عن أبي بكرة) نفيع (﵁ قال: خطبنا النبي ﷺ يوم النحر) أي بمنى عند الجمرة (قال):
(أتدرون أي يوم هذا)؟ (قلنا الله ورسوله أعلم) فيه مراعاة الأدب وتحرز عن التقدم بين يدي الله ورسوله ﷺ توقف فيما لا يعلم الغرض من السؤال عنه، (فسكت) ﵊ (حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه).
قال الطيبي: فيه إشارة إلى تفويض الأمور بالكلية إلى الشارع وعزل لما ألفوه من المتعارف المشهور، وفي حديث ابن عباس فقال: يا أيها الناس أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام إلى آخره، ففيه
أنهم أجابوه. وفي حديث أبي بكرة أنهم سكتوا وفوضوا إليه الأمر، فقيل في التوفيق بينهما أن في حديث أبي بكرة فخامة