النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سمى سالم ما أبهمه زيد، وقد خالف زيد نافعًا وعبد الله بن دينار في إدخال الواسطة بين ابن عمر والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووافق سالمًا كما ترى، ووقع في بعض طرق نافع
عن ابن عمر سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يرفع ما يوهمه إدخال الواسطة هنا من أن ابن عمر لم يسمع هذا الحديث من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(خمس من الدواب لا حرج) لا إثم (على من قتلهن) مطلقًا في حل ولا حرم (الغراب والحدأة) بكسر الحاء وفتح الدال المهملتين مهموزًا، ولأبي ذر: والحدأ (والفأرة والعقرب والكلب العقور).
١٨٢٩ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يَقْتُلُهُنَّ فِي الْحَرَمِ: الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ». [الحديث ١٨٢٩ - طرفه في: ٣٣١٤].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي الوقت: حدثني بالإفراد (يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي أبو سعيد نزيل مصر (قال: حدثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله (قال: أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلهن) المرء (في الحرم) ولأبوي ذر والوقت: يقتلن بضم أوله وفتح ثالثه وسكون رابعه من غير هاء، وقوله فاسق صفة لكل مذكر ويقتلن فيه ضمير راجع إلى معنى كل وهو جمع وهو تأكيد لخمس قاله في التنقيح كما في غير نسخة منه.
وتعقبه في المصابيح بأن الصواب أن يقال: خمس مبتدأ وسوّغ الابتداء به مع كونه نكرة وصفه ومن الدواب في محل رفع أيضًا على أنه صفة أخرى لخمس، وقوله: يقتلن جملة فعلية في محل رفع على أنها خبر المبتدأ الذي هو خمس، وأما جعل كلهن تأكيدًا لخمس فمما يأباه البصريون وجعل فاسق صفة لكل خطأ ظاهر، والضمير في يقتلهن عائد على خمس لا على كل إذ هو خبره ولو جعل خبر كل امتنع الإتيان بضمير الجمع لأنه لا يعود عليها الضمير من خبرًا إلا مفردًا مذكرًا على لفظها على ما صرح به ابن هشام في المغني اهـ.
وعبر بقوله: فاسق بالإِفراد، ورواية مسلم فواسق بالجمع وذلك أن كل اسم موضوع لاستغراق أفراد المنكر نحو {كل نفس ذائقة الموت} [آل عمران: ١٨٥] والمعرف المجموع نحو {وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا} [مريم: ٩٥] وأجزاء المفرد المعرف نحو كل زيد حسن، فإذا قلت: أكلت كل رغيف لزيد كانت لعموم الأفراد فإن أضفت الرغيف إلى زيد صارت لعموم أجزاء فرد واحد ولفظ كل مفرد مذكر معناه بحسب ما يضاف إليه، فإن أضيف إلى معرفة فقال ابن هشام في المغني فقالوا يجوز مراعاة لفظها ومراعاة معناها نحو: كلهم قائم أو قائمون وقد اجتمعنا في قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤)
وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: ٩٣ - ٩٥] فراعى اللفظ أوّلاً والمعنى آخرًا، والصوابط أن الضمير لا يعود إليها من خبرها إلا مفردًا مذكرًا على لفظها نحو {وكلهم آتيه} الآية. ومن ذلك {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً} [الإسراء: ٣٦] وفي الآية حذف مضاف وإضمار لما دل عليه المعنى لا اللفظ أي أن كل أفعال هذه الجوارح، كان المكلف مسؤولاً عنه. اهـ.
وقد وقع في البخاري في كتاب الاعتصام بالسنة في باب: الاقتداء بسنن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قالوا: ومن يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" فقد أعاد الضمير من خبر كل المضافة إلى معرفة غير مفرد، وهذا الحديث فيه الأمران ولا يتأتى فيه ما ذكره من الجواب عن الآية، وذلك لأنه قال كلهن فاسق بالإِفراد ثم قال: يقتلن، وأما تسمية هؤلاء المذكورات فواسق فقال النووي: هي تسمية صحيحة جارية على وفاق اللغة فإن أصل الفسق الخروج فهو خروج مخصوص، والمعنى في وصف هذه بالفسق لخروجها عن حكم غيرها بالإِيذاء والإفساد وعدم الانتفاع، وقيل: لأنها عمدت إلى حبال سفينة نوح فقطعتها وقيل غير ذلك.
(الغراب) وهو ينقر ظهر البعير وينزع عينه ويختلس أطعمة الناس زاد في رواية سعيد بن المسيب عن عائشة الأبقع وهو الذي في ظهره وبطنه بياض، وقيل سمي غرابًا لأنه نأى واغترب لما أنفذه نوح عليه الصلاة والسلام يستخبر أمر الطوفان.
(والحدأة) بكسر الحاء وفتح الدال المهملتين مهموز