على أفضل ({يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة}) استفهام في اللفظ إيجاب في المعنى ({تنجيكم}) تخلصكم ({من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم}) استئناف مبين للتجارة وهو الأجمع بين الإيمان والجهاد والمراد به الأمر وإنما جيء به بلفظ الخبر للإيذان بوجوب الامتثال كأنها وجدت وحصلت ({ذلكم}) أي ما ذر من الإيمان والجهاد ({خير لكم}) في أنفسكم وأموالكم ({إن كنتم تعلمون}) العلم ({يغفر لكم ذنوبكم}) جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر قال القاضي: ويبعد جعله جوابًا لهل أدلكم لأن مجرد دلالته لا يوجب المغفرة ({ويدخلكم}) عطف على يغفر لكم ({جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك}) ما ذكر من المغفرة وإدخال الجنة ({الفوز العظيم}) [الصف: ١٠ - ١٢]. وفي نسخة بعد قوله من {عذاب أليم} إلى {الفوز العظيم}.
٢٧٨٦ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ. قَالُوا: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ". [الحديث ٢٧٨٦ - طرفه في: ٦٤٩٤].
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عطاء بن يزيد) من الزيادة (الليثي) بالمثلثة (أن أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- حدّثه قال: قيل يا رسول الله أي الناس أفضل)؟ قال في الفتح: لم أقف على اسم السائل، وقد سبق أن أبا ذر سأل عن نحو ذلك، وللحاكم: أي الناس أكمل إيمانًا؟ (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(مؤمن) أي أفضل الناس مؤمن (يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله). لما فيه من بذلهما لله مع
النفع المتعدي، وعند النسائي: إن من خير الناس رجلاً عمل في سبيل الله على ظهر فرسه بمن
التبعيضية وذلك يقوي قول من قال أن قوله مؤمن يجاهد المقدّر بقوله أفضل الناس مؤمن يجاهد عام
مخصوص وتقديره من أفضل الناس لأن العلماء الذين حملوا الناس على الشرائع والسُّنن وقادوهم إلى
الخير أفضل وكذا الصديقون. (قالوا: ثم من)؟ يلي المؤمن المجاهد في الفضل (قال): عليه الصلاة
والسلام (مؤمن) أي ثم يليه مؤمن (في شعب من الشعاب) بكسر الشين المعجمة وسكون العين
المهملة في الأول وفتحها في الثاني آخره موحدة هو ما انفرج بين الجبلين وليس بقيد بل على سبيل
المثال. والغالب على الشعاب الخلوّ عن الناس فلذا مثل بها للعزلة والانفراد فكل مكان يبعد عن
الناس فهو داخل في هذا المعنى كالمساجد والبيوت ولمسلم من طريق معمر عن الزهري: رجل
معتزل (يتقي الله ويدع الناس من شره) وفيه فضل العزلة لما فيها من السلامة من الغيبة واللغو
ونحوهما وهو مقيد بوقوع الفتنة.
وفي حديث بعجة بفتح الموحدة والجيم بينهما عين مهملة ساكنة ابن عبد الله عن أبي هريرة مرفوعًا: "يأتي على الناس زمان يكون خير الناس فيه منزلة من أخذ بعنان فرسه في سبيل الله يطلب الموت في مظانه ورجل في شعب من هذه الشعاب يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويدع الناس إلا من خير". رواه مسلم وابن حبان.
وروى البيهقي في الزهد عن أبي هريرة مرفوعًا: "يأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من هرب بدينه من شاهق إلى شاهق ومن حجر إلى حجر فإذا كان ذلك لم تنل المعيشة إلا بسخط الله فإذا كان ذلك كذلك كان هلاك الرجل على يد زوجته وولده فإن لم يكن له زوجة ولا ولد كان هلاكه على يد أبويه فإن لم يكن له أبوان كان هلاكه على يد قرابته أو الجيران". قالوا: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: "يعيرونه بضيق المعيشة فعند ذلك يورد نفسه الموارد التي يهلك فيها نفسه". أما عند عدم الفتنة فمذهب الجمهور أن الاختلاط أفضل لحديث الترمذي: المؤمن الذي يخال الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرًا من الذي لا يخال الناس ولا يصبر على أذاهم.
وحديث الباب أخرجه البخاري أيضًا في الرقاق، ومسلم وأبو داود في الجهاد، وابن ماجه في الفتن.
٢٧٨٧ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ- كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ. وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي هريرة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):