الثاني، وأما الإسكندر الأول فقد طاف بالبيت مع الخليل صلوات الله عليه وسلامه أول ما بناه وآمن به واتبعه كما ذكره الأزرقي وكان وزيره الخضر، وأما الثاني فهو الإسكندر اليوناني وزيره أرسطاطاليس الفيلسوف وكان قبل المسيح بنحو ثلاثمائة سنة وسمي ذا القرنين لأنه ملك المشرق والمغرب، أو لأنه طاف قرني الدنيا شرقها وغربها، أو لأنه انقرض في أيامه قرنان من الناس، أو لأنه كان له قرنان أي ضفيرتان أو كان لتاجه قرنان، أو لأنه كان في رأسه شبه القرنين، أو لقب بذلك لشجاعته كما يقال الكبش للشجاع كأنه ينطح أقرانه. وعن علي أنه كان عبدًا ناصح الله فناصحه دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات فأحياه الله فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات فأحياه الله فسموه ذا القرنين، واختلف في نبوته مع الاتفاق على إيمانه وصلاحه ﴿قل سأتلو عليكم منه﴾ أي من أخباره ﴿ذكرًا * إنّا مكنّا له في الأرض﴾ أي مكنّا له أمره في التصرف فيها كيف شاء فحذف المفعول ﴿وآتيناه من كل شيء﴾ طلبه وتوجه إليه (﴿سببًا﴾) وصلة توصله إليه من العلم والقدرة. وقال عبد الرَّحمن بن زيد أي تعليم الألسنة كان لا يغزو قومًا إلا كلمهم بلسانهم، وقيل علمًا بالطرق والمسالك فسخرنا له أقطار الأرض كما سخرنا الريح لسليمان ﵇، وقول كعب الأحبار مستدلاً بهذه الآية إن ذا القرنين كان يربط حبله بالثريا أنكره عليه معاوية بن أبي سفيان وهو إنكار صحيح لا سبيل للبشر إلى شيء من ذلك ولا إلى الرقي في أسباب السماوات قاله ابن كثير ﴿فأتبع سببًا﴾ [الكهف: ٨٣ - ٨٥]. أي (طريقًا إلى قوله: ﴿ائتوني﴾) بسكون الهمزة وهي قراءة أبي بكر عن عاصم (﴿زبر الحديد﴾ واحدها زبرة) بضم الزاي وسكون الموحدة (وهي القطع) بكسر القاف وفتح الطاء ويقال كل قطعة زنة قنطار بالدمشقي أو تزيد عليه، وفي رواية أبي ذر بعد قوله:(﴿ويسألونك عن ذي القرنين﴾ إلى قوله: ﴿سببًا﴾ طريقًا إلى قوله: ﴿ائتوني زبر الحديد﴾ واحدها زبرة. ولابن عساكر بعد قوله: ﴿ذكرًا﴾ إلى قوله: (﴿آتوني زبر الحديد * حتى إذا ساوى بين الصدفين﴾) بفتح الصاد والدال ولغير أبي ذر الصدفين بضمهما وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وهي لغة قريش ولأبي بكر ضم الصاد وإسكان الدال.
(يقال عن ابن عباس) مما وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة في قوله تعالى: ﴿بين الصدفين﴾ قال: أي بين (الجبلين) وقيل الصدفان ناحيتا الجبلين، وقال أبو عبيدة: الصدف كل بناء عظيم مرتفع (والسدين): بضم السين ولأبي ذر السدين بفتحها وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحفص لغتان (الجبلين) سد ذو القرنين بينهما بسد وهما جبلا أرمينية وأذربيجان وقيل
جبلان بأواخر الشمال في منقطع أرض الترك منفيان من ورائهما يأجوج ومأجوج، والمعنى أنه وضع بعضه على بعض من الأساس حتى حاذى به رؤوس الجبلين طولاً وعرضًا (خرجًا) أي (أجرًا) عظيمًا نخرجه من أموالنا ﴿قال﴾ للعملة: (﴿انفخوا﴾) في الأكوار والحديد (﴿حتى إذا جعله﴾) أي المنفوخ فيه (﴿نارًا﴾) كالنار بالإحماء (﴿قال آتوني أفرغ عليه قطرًا﴾) أي (أصبب عليه رصاصًا﴾) بفتح الراء وتكسر ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر أصب بموحدة مشددة ولأبي ذر: أصب عليه قطرًا (ويقال الحديد) أي المذاب (ويقال الصفر) بالضم رواه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك وهو النحاس.
(وقال ابن عباس)﵄ فيما وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح إلى عكرمة عنه: (النحاس) ورواه من طريق السدي أيضًا قال: القطر النحاس وبناه لهم بالحديد والنحاس، ومن طريق وهب بن منبه قال: شرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب وجعل خلاله عرقًا من نحاس أصفر فصار كأنه برد محبر من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد، وحكى الحافظ ابن كثير: أن الخليفة الواثق بعث في دولته بعض أمرائه في جيش لينظروا إلى السد وينعتوه له إذا رجعوا فرأوا بناءه من الحديد والنحاس ورأوا فيه بابًا عظيمًا عليه أقفال عظيمة وبقية اللبن والعمد في برج هناك وذكروا أن عنده حرسًا من الملوك المتاخمة له وأنه عال منيف شاهق.