(﴿فما اسطاعوا﴾) بحذف التاء حذرًا من تلاقي متقاربين (﴿أن يظهروه﴾) أي أن (يعلوه) بالصعود لارتفاعه وانملاسه واسطاعوا جمع مفرده (استطاع) بالتاء قبل الطاء، ولأبي ذر: اسطاع بحذفها أصله (استفعل من اطعت له) بهمزة مفتوحة وفتح الطاء، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: من طعت بإسقاط الهمزة وضم الطاء وسكون العين. قال العيني: لأنه مر فعل يفعل كنصر ينصر ولكنه أجوف واوي لأنه من الطوع يقال طاع له وطعت له كقال له وقلت له ولما نقل طاع إلى باب الاستفعال صار استطاع على وزن استفعل ثم حذفت التاء للتخفيف بعد نقل حركتها إلى الهمزة فصار أسطاع بفتح الهمزة وسكون السين وأشار إلى هذه بقوله: (فلذلك فتح اسطاع) أي فلأجل حذف التاء ونقل حركتها إلى الهمزة قيل اسطاع (يسطيع) بفتح الهمزة في الماضي وفتح الياء في المستقبل، (و) لكن (قال بعضهم: استطاع يستطيع) بالمثناة الفوقية فيهما وفتح حرف المضارعة في الثاني في الفرع وغيره مما رأيته من الأصول. وقال العيني كابن حجر كالكرماني بضمه فمن فتح فمن الثلاثي ومن ضم فمن الرباعي. (﴿وما استطاعوا له نقبًا﴾) لثخنه وصلابته. وظاهر هذا أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه لأحكام بنائه وصلابته وشدته، ولا يعارضه حديث أبي هريرة عن رسول الله ﷺ المروي عند أحمد: أن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا فيعودون إليه فيجدونه كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا إن شاء الله ويستثني فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس الحديث.
ورواه ابن ماجه والترمذي وقال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قال ابن كثير: وإسناده جيد قوي ولكن متنه في رفعه نكارة لمخالفته الآية. ورواه كعب بنحوه، ولعل أبا هريرة تلقاه من فإنه كثيرًا ما كان يجالسه فحدث به أبو هريرة فتوهم بعض الرواة أنه مرفوع فرفعه.
(﴿قال هذا﴾) السد والاقدار (﴿رحمة من ربي﴾) على عباده (﴿فإذا جاء وعد ربي﴾) وقت وعده بخروج يأجوج ومأجوج (﴿جعله﴾) أي السد (﴿دكاء﴾) أي (ألزقه بالأرض) بالزاي (و) كذلك يقال (ناقة دكاء) بالمد أي (لا سنام لها) مستوية الظهر (والدكداك من الأرض مثله) أي الملزق المستوى بها (حتى صلب من الأرض وتلبد) ولم يرتفع وسقط لأبي ذر وابن عساكر: من الأرض (﴿وكان وعد ربي حقًّا﴾) أي كائنًا لا محالة وهذا آخر حكاية قول ذي القرنين (﴿وتركنا بعضهم يومئذٍ﴾) أي بعض يأجوج ومأجوج حين يخرجون من وراء السد (﴿يموج في بعض﴾) مزدحمين في البلاد أو يموج بعض الخلق في بعض فيضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى (حتى إذا فتحت) ولابن عساكر: باب حتى إذا فتحت (﴿يأجوج ومأجوج﴾)[الكهف: ٩٦ - ٩٨].
قال في الكشاف: حتى متعلقة بحرام يعني في قوله وحرام على قرية وهي غاية له لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم الساعة وهي حتى التي يحكى بعدها الكلام والكلام المحكى هو الجملة من الشرط والجزاء أعني إذا وما في حيزها وقال الحوفي: هي غاية والعامل فيها ما دل عليه المعنى من تأسفهم على ما فرطوا فيه من الطاعة حين فاتهم الاستدراك. وقال ابن عطية:"حتى" متعلقة بقوله وتقطعوا، ويحتمل على بعض التأويلات المتقدمة أن تتعلق بيرجعون، ويحتمل أن تكون حرف ابتداء وهو الأظهر بسبب إذا لأنها تقتضي جوابًا هو المقصود ذكره قال أبو حيان وكون حتى متعلقة بتقطعوا فيه بعد من حيث كثرة الفصل لكنه من حيث المعنى جيد وهو أنهم لا يزالون مختلفين على دين الحق إلى قرب مجيء الساعة فإذا جاءت الساعة انقطع ذلك كله وتلخص في تعلق "حتى" أوجه:
أحدها: أنها متعلقة بحرام. الثاني: أنها متعلقة بمحذوف دل عليه المعنى وهو