-رضي الله عنه-، فقد ذكر ابن إسحاق أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في يوم بدر خفق خفقة ثم انتبه فقال: "أبشر يا أبا بكر هذا جبريل عليه السلام آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه الغبار".
وقد سبق الحديث في باب شهود الملائكة بدرًا بسنده ومتنه لكن بلفظ قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر بدل قوله هنا يوم أُحُد وهو الصواب المعروف لا يوم أُحُد، ولذا سقط من رواية أبي ذر وغيره من المتقنين ولم يثبت إلا في رواية أبي الوقت والأصيلي ولعله وهم من راو أو ناسخ والله أعلم.
٤٠٤٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ ثُمَّ طَلَعَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: «إِنِّي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ، وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْحَوْضُ وَإِنِّي لأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هَذَا وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوهَا». قَالَ: فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال: (أخبرنا زكريا بن عدي) أبو يحيى الكوفي قال: (أخبرنا ابن المبارك) عبد الله (عن حيوة) بن شريح الحضرمي الكندي (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد المصري (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله (عن عقبة بن عامر) الجهني -رضي الله عنه- أنه (قال: صلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قتلى أُحُد بعد ثماني) بالياء بعد النون ولابن عساكر: ثمان (سنين) فيه تجوّز لأن وقعة أُحُد كانت في شوال سنة ثلاث ووفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ربيع الأول سنة إحدى عشرة وحينئذ فتكون بعد سبع سنين ودون النصف فهو من باب جبر الكسر.
زاد في الجنائز كغزوة أُحُد صلاته على الميت، والمراد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا لهم بدعاء صلاة الميت والإجماع يدل له لأنه لا يصلّي عليه عند الشافعية، وعند أبي حنيفة المخالف لا يصلّي على القبر بعد ثلاثة أيام (كالمودّع للأحياء والأموات ثم طلع) بفتح اللام في الفرع (المنبر فقال):
(إني بين أيديكم فرط) بفتح الفاء والراء، وزاد في الجنائز لكم كغزوة أُحُد أي أنا سابقكم إلى الحوض كالمهيئ له لأجلكم وفيه إشارة إلى قرب وفاته (وأنا عليكم شهيد) بأعمالكم (وأن موعدكم) يوم القيامة (الحوض وإني لأنظر إليه) نظرًا حقيقيًا بطريق الكشف (من مقامي هذا) بفتح ميم مقامي الأولى (وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا) بالله. زاد في الجنائز كالآتي آخر غزوة أُحُد بعدي أي لست أخشى على جميعكم الإشراك بل على مجموعكم لأن ذلك قد وقع من بعضهم (ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها) بإسقاط إحدى التاءين أي ترغبوا فيها (قال) عقبة: (فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
وقد سبق هذا الحديث في الجنائز في باب الصلاة على الشهيد.
٤٠٤٣ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: لَقِينَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَيْشًا مِنَ الرُّمَاةِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ وَقَالَ: «لَا تَبْرَحُوا إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلَا تَبْرَحُوا وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلَا تُعِينُونَا» فَلَمَّا لَقِينَا هَرَبُوا حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ قَدْ بَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ فَأَخَذُوا يَقُولُونَ: الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيرٍ: عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ لَا تَبْرَحُوا فَأَبَوْا فَلَمَّا أَبَوْا صُرِفَ وُجُوهُهُمْ فَأُصِيبَ سَبْعُونَ قَتِيلاً وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ: «لَا تُجِيبُوهُ»،
فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ قَالَ: «لَا تُجِيبُوهُ»، فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ قُتِلُوا فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لأَجَابُوا فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُحْزِنُكَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أُعْلُ هُبَلْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَجِيبُوهُ» قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ» قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَجِيبُوهُ» قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ» قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ وَتَجِدُونَ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي.
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن موسى) بن باذام الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبيد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لقينا المشركين يومئذ) أي يوم أُحُد وكانوا ثلاثة آلاف رجل ومعهم مائتا فارس، وجعلوا على الميمنة خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، وعلى الخيل صفوان بن أمية أو عمرو بن العاص، وعلى الرماة عبد الله بن ربيعة، وكان فيهم مائة رام وكان المسلمون مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبعمائة وفرسه عليه الصلاة والسلام وفرس أبي بردة بن نيار (وأجلس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الهمزة واللام (جيشًا من الرماة) بضم الراء بالنبل وكانوا خمسين رجلاً (وأمّر) بتشديد الميم (عليهم عبد الله) بن جبير بن النعمان أخا بني عمرو بن عوف (وقال):
(لا تبرحوا) من مكانكم، وفي رواية زهير في الجهاد حتى أرسل إليكم. وعند ابن إسحاق فقال: انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتوننا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك (إن رأيتمونا ظهرنا عليهم) غلبناهم (فلا تبرحوا) من مكانكم (وإن رأيتموهم) يعني المشركين (ظهروا علينا فلا تعينونا).
وعن ابن سعد في الطبقات: وكان أول من أنشب الحرب بينهم أبو عامر الفاسق طلع في خمسين من فومه فنادى: أنا أبو عامر، فقال المسلمون: لا مرحبًا بك ولا أهلاً يا فاسق، فقال: لقد أصاب قومي بعدي شر، ومعه عبيد قريش فتراموا بالحجارة هم والمسلمون حتي ولى أبو عامر وأصحابه، وجعل نساء المشركين يضربن بالدفوف والغرابيل ويحرضن ويذكرنهم قتلى بدر ويقلن: