(ثم قال) عليه الصلاة والسلام لما أشرف على خيبر:
(الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) المخصوص بالذم محذوف أي فساء صباح المنذرين صباحهم (فخرجوا) أي يهود خيبر حال كونهم (يسعون في السكك) أي في أزقة خيبر ويقولون: محمد والخميس فقاتلهم عليه الصلاة والسلام حتى ألجأهم إلى قصرهم فصالحوه على أن له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصفراء والبيضاء والحلقة ولهم ما حملت ركابهم، وعلى أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئًا فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد فغيبوا مسكًا لحيي بن أخطب فيه حليهم فقال عليه الصلاة والسلام: "أين مسك حيي بن أخطب" قالوا: أذهبته الحروب والنفقات فوجدوا المسك (فقتل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المقاتلة) بكسر التاء الأولى أي الرجال (وسبى الذرية وكان في السبي صفية) بنت حيي (فصارت إلى دحية الكلبي ثم صارت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فتزوجها (فجعل عتقها صداقها) خصوصية له عليه الصلاة والسلام (فقال عبد العزيز بن هيب لثابت: يا أبا محمد آنت) بمد الهمزة (قلت لأنس ما أصدقها) عليه الصلاة والسلام (فحرّك ثابت رأسه تصديقًا له).
وهذا الحديث سبق في صلاة الخوف في باب التكبير والغلس.
٤٢٠١ - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: سَبَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَفِيَّةَ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَقَالَ ثَابِتٌ لأَنَسٍ: مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا فَأَعْتَقَهَا.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد العزيز بن صهيب) أنه (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: سبى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صفية) سيدة قريظة والنضير وعند ابن إسحاق أنها سبيت من حصن القموص (فأعتقها وتزوجها) بغير مهر قال ابن الصلاح: معناه أن العتق حل محل الصداق وإن لم يكن صداقًا (فقال): ولأبي ذر قال: (ثابث) البناني (لأنس: ما أصدقها؟ قال: أصدقها نفسها فأعتقها). وهذا ظاهر جدًّا في أن المجعول مهرًا هو نفس العتق وهو من خصائصه وممن جزم بذلك الماوردي.
٤٢٠٢ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَسْكَرِهِ، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَاّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ، فَقِيلَ مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلَانٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا صَاحِبُهُ، قَالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ
مَعَهُ قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ سَيْفَهُ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ»؟ قَالَ: الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ فَقُلْتُ أَنَا لَكُمْ بِهِ، فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ ذَلِكَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنَ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا يعقوب) بن عبد الرحمن الإسكندراني (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التقى هو والمشركون) أي في خيبر كما في حديث أبي هريرة اللاحق لهذا الحديث (فاقتتلوا فلما مال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى عسكره) أي رجع بعد فراغ القتال في ذلك اليوم (ومال الآخرون) أهل خيبر (إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل) قيل هو قزمان بضم القاف وسكون الزاي الظفري بفتح المعجمة والفاء نسبة لبني ظفر بطن من الأنصار، وكنيته أبو الغيداق بغين معجمة مفتوحة فتحتية ساكنة آخره قاف (لا يدع لهم) أي لا يترك لليهود نسمة (شاذة) بثين وذال مشددة معجمتين التي تكون مع الجماعة ثم تفارقهم (ولا فاذة) بالفاء والمعجمة المشددة أيضًا التي لم تكن اختلطت بهم أصلاً والمعنى أنه لا يرى نفسه نسمة منهم (إلا اتبعها) بتشديد الفوقية (يضربها بسيفه) يقتلها (فقيل) وللأصيلي فقالوا ولابن عساكر وأبي الوقت وأبي ذر عن الحموي والمستملي فقال: ولأبي ذر عن الكشميهني فقلت: قال في الفتح: فإن كانت هذه محفوظة فالقائل سهل بن سعد الساعدي (ما أجزأ) بجيم وزاي أي ما أغنى (منا اليوم أحد كما أجزأ فلان) هو على سبيل المبالغة فقد كان في القوم من كان فوقه في ذلك (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أما) بالتخفيف استفتاحية فتكسر الهمزة من قوله (أنه من أهل النار) لنفاقه باطنًا. وعند الطبراني من حديث أكتم الخزاعي قلنا: يا رسول الله إذا كان فلان في عبادته واجتهاده ولين جانبه في النار فأين نحن؟ قال: "ذلك اخبأت النفاق" (فقال رجل من القوم): هو أكتم بن أبي الجون الخزاعي (أنا صاحبه) أي لأتبعه كما في الرواية الأخرى (قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه قال: فجرح الرجل) قزمان (جرحًا شديدًا فاستعجل الموت فوضع سيفه بالأرض وذبابه) بمعجمة مضمومة أي طرفه (بين ثدييه ثم تحامل) مال (على سيفه) زاد أكتم حتى خرج من ظهره (فقتل نفسه