(أنا سيد الناس) آدم وجميع ولده (يوم القيامة) وتخصيصه بالقيامة يلزم منه ثبوت سيادته في الدنيا بطريق الأولوية، ونهيه عن التفضيل على طريق التواضع (وهل تدرون ممّ ذلك) ولأبي ذر: مم ذاك بالألف بدل اللام (يجمع الناس) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول وللكشميهني والمستملي يجمع الله الناس (الأولين والآخرين في صعيد واحد) أرض واسعة مستوية (يسمعهم الداعي) بضم الياء من الإسماع (وينفذهم البصر) بفتح الياء وسكون النون والذال المعجمة أي يحيط بهم لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض وعدم الحجاب (وتدنو الشمس).
وفي الزهد لابن المبارك ومصنف ابن أبي شيبة واللفظ له بسند جيد عن سلمان قال: تعطي الشمس يوم القيامة حرّ عشر سنين، ثم تدنو من جماجم الناس حتى تكون قاب قوسين فيعرقون
حتى يرشح العرق في الأرض قامة ثم يرتفع حتى يغرغر الرجل. زاد ابن المبارك في روايته ولا يضر حرها يومنذ مؤمنًا ولا مؤمنة.
(فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟) بفتح همزة ألا وتخفيف لامها في الموضعين وهي للعرض والتخصيص (فيقول بعض الناس لبعض عليكم بآدم فيأتون آدم عليه السلام، فيقولون له: أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه) قال الكرماني: الإضافة إلى الله تعالى لتعظيم المضاف وتشريفه (وأمر الملائكة فسجدوا لك) وزاد في رواية همام في التوحيد وأسكنك جنته وعلمك أسماء كل شيء (اشفع لنا إلى ربك) حتى يريحنا مما نحن فيه (ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟) بتخفيف لام ألا ترى في الموضعين وتحريك غين بلغنا وسقط للحموي والمستملي لفظة إلى الأخيرة (فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولا يغضب (بعده مثله) والمراد من الغضب كما قال الكرماني لازمه وهو إرادة إيصال العذاب وقال النووي: المراد بغضب الله ما يظهر من انتقامه فيمن عصاه وما يشاهده أهل الجمع من الأهوال التي لم يكن ولا يكون مثلها (وأنه نهاني) ولأبي ذر وأنه قد نهاني (عن الشجرة) أي عن أكلها (فعصيته) وأكلتها (نفسي نفسي نفسي)، كررها ثلاثًا أي هي التي تستحق أن يشفع لها إذ المبتدأ والخبر إذا كانا متحدين فالمراد بعض لوازمه أو نفسي مبتدأ والخبر محذوف (اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح) بيان لقوله اذهبوا إلى غيري (فيأتون نوحًا فيقولون يا نوح إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض).
واستشكلت هذه الأولية بأن آدم نبي مرسل وكذا شيث وإدريس وهم قبل نوح. وأجيب: بأن الأولية مقيدة بأهل الأرض لأن آدم ومن ذكر معه لم يرسلوا إلى أهل الأرض ويشكل عليه حديث جابر وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة. وأجيب: بأن بعثته إلى أهل الأرض باعتبار الواقع لصدق أنهم قومه بخلاف بعثة نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقومه وغيرهم أو الأولية مقيدة بكونه أهلك قومه أو أن الثلاثة كانوا أنبياء ولم يكونوا رسلًا لكن في صحيح ابن حبان من حديث أبي ذر ما يقتضي أنه كان مرسلًا والتصريح بنزال الصحف على شيث.
(وقد سماك الله) أي في القرآن في سورة بني إسرائيل (عبدًا شكورًا) وهذا موضع الترجمة (اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول: إن ربي عز وجل) ولأبي ذر فيقول رب عز وجل (قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه قد كانت) ولأبي ذر قد كان (لي دعوة دعوتها على قومي) هي التي أغرق بها الأرض يعني أن له دعوة واحدة محققة الإجابة، وقد استوفاها بدعائه على أهل الأرض فخشي أن يطلب فلا يجاب، وفي حديث أنس عند الشيخين: ويذكر خطيئته التي أصاب سؤاله ربه بغير علم، فيحتمل أن يكون اعتذر بأمرين: أحدهما أنه استوفى دعوته المستجابة، وثانيهما: