أهلي فخشي أن تكون شفاعته لأهل الموقف من ذلك (نفسي نفسي نفسي) ثلاثًا أي هي التي تستحق أن يشفع لها (اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم) زاد في رواية أن خليل الرحمن (فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض) لا ينفي وصف نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمقام الخلة الثابت له على وجه أعلى من إبراهيم (اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه) من الكرب (فيقول لهم إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات) بفتحات (فذكرهن أبو حيان) يحيى بن سعيد التيمي الراوي عن أبي زرعة (في الحديث) واختصرهن من دونه وهي قوله: إني سقيم، وبل فعله كبيرهم، وقوله لسارة هي أختي والحق أنها معاريض لكن لما كانت صورتها صورة كذب سماها به وأشفق منها استقصارًا لنفسه عن مقام الشفاعة مع وقوعها لأن من كان بالله أعرف وأقرب منزلة كان أعظم خطرًا وأشد خشية قاله البيضاوي. (نفسي نفسي نفسي) ثلاثًا (اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضّلك الله برسالته) بالإفراد (وبكلامه على الناس) عام مخصوص على ما لا يخفى فقد ثبت أنه تعالى كلّم نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة المعراج ولا يلزم من قيام وصف التكلم به أن يشتق له منه اسم الكليم كموسى إذ هو وصف غلب على موسى كالحبيب لنبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن كان شارك الخليل في الخلة على وجه أكمل منه (اشفع لنا إلى ربك ألا) بتخفيف اللام ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني أما بميم مخففة بدل اللام (ترى إلى ما نحن فيه) من الكرب (فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفسًا لم أومر بقتلها) بضم الهمزة وسكون الواو يريد قتله القبطي المذكور في آية القصص وإنما استعظمته واعتذر به لأنه لم يؤمر بقتل الكفار أو لأنه كان مؤمنًا فيهم فلم يكن له اغتياله ولا يقدح في عصمته لكونه خطأ وعدّه من عمل الشيطان في الآية، وسماه ظلمًا واستغفر منه على عادتهم في استعظام محقرات فرطت منهم (نفسي نفسي نفسي) ثلاثًا (اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى) وفي رواية أبي ذر زيادة ابن مريم (فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم) أي أوصلها إليها وحصلها فيها (وروح منه) أي وذو روح صدر منه لا بتوسط ما يجري مجرى الأصل والمادة له (وكلمت الناس في المهد) حال كونك (صبيًّا) أي طفلًا والمهد مصدر سمي به ما يمهد للصبي من مضجعه وسقط صبيًّا لأبي ذر (اشفع لنا) أي إلى ربك حتى يريحنا مما نحن فيه (ألا ترى إلى ما نحن فيه) من الكرب (فيقول عيسى: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله) زاد أبو ذر قط (ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنبًا) وفي رواية أحمد والنسائي من حديث ابن عباس إني اتخذت إلهًا من دون الله، وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور نحوه وزاد وإن يغفر لي اليوم حسبي (نفسي نفسي نفسي) ثلاثًا (اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في حديث أنس الطويل في الرقاق فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (فيأتون محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية في الموضعين لأبي ذر (فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) يعني أنه غير مؤاخذ بذنب ولو وقع.
قال في فتح الباري: ويستفاد من قول عيسى في حق نبينا هذا ومن قول موسى إني قتلت نفسًا وأن يغفر لي اليوم حسبي مع أن الله غفر له بنص القرآن التفرقة بين من وقع منه شيء ومن لم يقع منه شيء أصلًا، فإن موسى مع وقوع المغفرة له لم يرتفع إشفاقه من المؤاخذة بذلك أو رأى في نفسه تقصيرًا عن مقام الشفاعة مع وجود ما صدر منه بخلاف نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك كله، ومن ثم احتج عيسى