واستشكل ذكر سعد بن معاذ هنا بأن حديث الإفك كان سنة ست في غزوة المريسيع وسعد مات من الرمية التي رميها بالخندق سنة أربع. وأجيب: بأنه اختلف في المريسيع، ففي البخاري عن موسى بن عقبة أنها سنة أربع وكذلك الخندق، وقد جزم ابن إسحاق بأن المريسيع كانت في شعبان والخندق في شوّال وإن كانا في سنة فلا يمتنع أن يشهدها ابن معاذ، لكن الصحيح في النقل عن موسى بن عقبة أن المريسيع سنة خمس، فالذي في البخاري حملوه على أنه سبق قلم والراجح أيضًا أن الخندق أيضًا سنة خمس فيصح الجواب.
(فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه) بفتح الهمزة وكسر المعجمة (إن كان من الأوس) قبيلتنا (ضربت عنقه) لأن حكمه فيهم نافذ إذ كان سيدهم ولأن من آذاه ﵊ وجب قتله (وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قالت) عائشة: (فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج) بعد فراغ ابن معاذ من مقالته (وكان قبل ذلك رجلًا صالحًا) كامل الصلاح لم يسبق منه ما يتعلق بالوقوف مع أنفة الحمية (ولكن احتملته) من مقالة ابن معاذ (الحمية) أي أغضبته وفي رواية معمر عند مسلم اجتهلته بجيم ففوقية فهاء وصوّبها التوربشتي أي حملته على الجهل (فقال لسعد) هو ابن معاذ: (كذبت لعمر الله) بفتح العين أي وبقاء الله (لا تقتله ولا تقدر على قتله) لأنا نمنعك منه ولم يرد ابن عبادة الرضا بقول ابن أبي لكن كان بين الحيين مشاحنة زالت بالإسلام وبقي بعضها بحكم الأنفة فتكلم ابن عبادة بحكم الأنفة ونفى أن يحكم فيه ابن معاذ (فقام أسيد بن حضير) بضم الهمزة وفتح السين المهملة وحضير بضم المهملة وفتح المعجمة مصغرين ولأبي ذر ابن الحضير (وهو ابن عم سعد) ولأبي ذر زيادة ابن معاذ أي من رهطه (فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه) بالنون ولو كان من الخزرج إذا أمرنا رسول الله ﷺ(فإنك منافق تجادل عن المنافقين) تفسير لقوله فإنك منافق فليس المراد نفاق الكفر (فتثاور) بفوقية فمثلثة (الحيان الأوس والخزرج) أي نهض بعضهم إلى بعض من الغضب (حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله ﷺ قائم على المنبر فلم يزل رسول الله ﷺ يخفضهم حتى سكتوا) بالفوقية والواو ولأبي ذر سكت بحذف الواو أي سكت القوم (وسكت)﵊.
(قالت) عائشة (فمكثت) بالميم وضم الكاف من المكث ولأبي ذر عن الكشميهني فبكيت من البكاء (يومي ذلك لا يرقأ) بالهمزة أي لا ينقطع (لي دمع ولا أكتحل بنوم قالت فأصبح أبواي) أبو بكر وأم رومان (عندي وقد بكيت ليلتين ويومًا) الليلة التي أخبرتها فيها أم مسطح بالخبر واليوم الذي خطب فيه ﵊ الناس والليلة التي تليه (لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع يظنان) أبي وأمي (أن البكاء فالق كبدي قالت) عائشة: (فبينما) بالميم ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فبينا (هما جالسان) ولأبي ذر جالسين (عندي وأنا أبكي) جملة حالية (فاستأذنت علي امرأة من الأنصار) لم تسم (فأذنت لها فجلست تبكي معي) تحزّنًا عليّ.
(قالت) عائشة (فبينا) بغير ميم (نحن على ذلك) وللكشميهني نحن كذلك (دخل علينا
رسول الله ﷺ فسلم ثم جلس قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني) أي بشيء (قالت: فتشهد رسول الله ﷺ حين جلس ثم قال):
(أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا) كناية عما رماها به أهل الإفك (فإن كنت بريئة) من ذلك (فسيبرئك الله) بوحي ينزله (وإن كنت ألممت بذنب) أي وقع منك مخالفًا لعادتك (فاستغفري الله وتوبي إليه) منه (فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله) منه (تاب الله عليه) وسقط لفظ الجلالة لأبي ذر (قالت: فلما قضى رسول الله ﷺ مقالته قلص) بالقاف واللام والصاد المهملة المفتوحات انقطع (دمعي حتى ما أحس) أجد (منه قطرة) لأن الحزن والغضب