نعيم حدّثه عن الأعمش، ومثل خلاد بن يحيى حدّثه عن عيسى بن طهمان، ومثل علي بن عياش وعصام بن خالد حدّثاه عن جرير بن عثمان، وشيوخ هؤلاء كلهم من التابعين. الطبقة الثانية: من كان في عصر هؤلاء لكن لم يسمع من ثقات التابعين كآدم بن أبي إياس وأبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر وسعيد بن أبي مريم وأيوب بن سليمان بن بلال وأمثالهم. الطبقة الثالثة: وهي الوسطى من مشايخه وهم من لم يلقَ التابعين بل أخذ عن كبار تبع الأتباع كسليمان بن حرب وقتيبة بن سعيد ونعيم بن حماد وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة وأمثال هؤلاء، وهذه الطبقة قد شاركه مسلم في الأخذ عنهم. الطبقة الرابعة: رفقاؤه في الطلب ومن سمع قبله قليلاً كمحمد بن يحيى الذهلي وأبي حاتم الرازي ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة وعبد بن حميد وأحمد بن النضر وجماعة من نظرائهم وإنما يخرج عن هؤلاء ما فاته عن مشايخه أو ما لم يجده عند غيرهم. الطبقة الخامسة: قوم في عداد طلبته في السن والإسناد سمع منهم للفائدة كعبد الله بن حماد الآملي وعبد الله بن أبي القاضي الخوارزمي وحسين بن محمد القباني وغيرهم، وقد
روى عنهم أشياء يسيرة وعمل في الرواية عنهم بما روى عثمان بن أبي شيبة عن وكيع قال: لا يكون الرجل عالمًا حتى يحدّث عمّن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه اهـ. وعن البخاري أنه قال: لا يكون المحدث كاملاً حتى يكتب عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه اهـ. وقال التاج السبكي وذكره يعني البخاري أبو عاصم في طبقات أصحابنا الشافعية. وقال: إنه سمع من الزعفراني وأبي ثور والكرابيسي قال: ولم يروِ عن الشافعي في الصحيح لأنه أدرك أقرانه والشافعي مات مكتهلاً فلا يرويه نازلاً. وروى عن الحسين وأبي ثور مسائل عن الشافعي وما برح رحمه الله تعالى يدأب ويجتهد حتى صار أنظر أهل زمانه وفارس ميدانه والمقدّم على أقرانه، وامتدت إليه الأعين وانتشر صيته في البلدان، ورحل إليه من كل مكان.
وأما من أخذ عن البخاري فقال الذهبي وغيره أنه حدّث بالحجاز والعراق وما وراء النهر وكتبوا عنه وما في وجهه شعرة، وروى عنه أبو زرعة وأبو حاتم قديمًا، وروى عنه من أصحاب الكتب الترمذي والنسائي على نزاع في النسائي والأصح أنه لم يرو عنه شيئًا، وروى عنه مسلم في غير الصحيح ومحمد بن نصر المروزي الفقيه وصالح بن محمد جزرة الحافظ وأبو بكر بن أبي عاصم ومطين وأبو العباس السراج وأبو بكر بن خزيمة وأبو قريش محمد بن جمعة ويحيى بن أبي صاعد وإبراهيم بن معقل النسفي ومهيب بن سليم وسهل بن شاذويه ومحمد بن يوسف الفربري ومحمد بن أحمد بن دلويه وعبد الله بن محمد الأشقر ومحمد بن هارون الحضرمي والحسين بن إسماعيل المحاملي وأبو علي الحسن بن محمد الداركي وأحمد بن حمدون الأعمش وأبو بكر بن أبي داود ومحمد بن محمود بن عنبر النسفي وجعفر بن محمد بن الحسن الجزري وأبو حامد بن الشرقي وأخوه أبو محمد عبد الله ومحمد بن سليمان بن فارس ومحمد بن المسيب الأرغياني ومحمد بن هارون الروياني وخلق.
وآخر من روى عنه الجامع الصحيح منصور بن محمد البزدوي سنة تسع وعشرين وثلثمائة، وآخر من زعم أنه سمع من البخاري موتًا أبو ظهير عبد الله بن فارس البلخي المتوفى سنة ست وأربعين وثلثمائة، وآخر من روى حديثه عاليًّا خطيب الموصل في الدعاء للمحاملي بينه وبينه ثلاثة رجال.
وأما ذكاؤه وسعة حفظه وسيلان ذهنه فقيل إنه كان يحفظ وهو صبي سبعين ألف حديث سردًا. وروي أنه كان ينظر في الكتاب مرة واحدة فيحفظ ما فيه من نظرة واحدة. وقال محمد بن أبي حاتم وراقه سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان كان البخاري يختلف معنا إلى السماع وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام، فكنّا نقول له فقال: إنكما قد أكثرتما عليّ فاعرضا عليّ ما كتبتما فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد ذلك على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلبه حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه، ثم قال: أترون أني أختلف هدرًا وأضيع