أفتى به المحب الطبري وأما الدنيلس فقيل إن أصله السرطان، فإن ثبت حرم وإلاّ فيحل لأنه من طعام البحر ولا يعيش إلا فيه ولم يأت على تحريمه دليل وقد قال جبريل بن يختيشوع: إنه ينفع من رطوبة المعدة والاستسقاء.
(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله البيهقي:(كل) أمر من الأكل (من صيد البحر نصراني أو يهودي أو مجوسي) بالجرّ في الثلاثة وللأصيلي وإن صاده نصراني أو يهودي أو مجوسي برفعها على الفاعلية، وقال الحسن البصري فيما نقله عنه الدميري: رأيت سبعين صحابيًّا يأكلون صيد المجوس ولا يتلجلج في صدورهم شيء من ذلك.
(وقال أبو الدرداء) عويمر بن مالك الأنصاري (في المري) بضم الميم وسكون الراء بعدها تحتية وفي النهاية بتشديد الراء، ولكن جزم النووي بالأول، ونقل الجواليقي في لحن العامة أنهم يحركون الراء والأصل السكون، والذي في القاموس التشديد، وعبارته والمرّي كدرّي أدام كالكامخ وفي الصحاح، والمري الذي يؤتدم به كأنه منسوب إلى المرارة والعامة تخففه قال وأنشدني أبو الغوث:
وأم مثواي لباخية ... وعندها المريّ والكامخ
والمري هو أن يجعل في الخمر الملح والسمك ويوضع في الشمس فيتغير عن طعم الخمر فيغلب السمك بما أضيف إليه على ضراوة الخمر ويزيل ما فيه من الشدة مع تأثير الشمس في تخليله والقصد منه هضم الطعام وربما يزاد ما فيه حرافة ليزيد في جلاء المعدة واستدعاء الطعام بحرافته، وكان أبو الدرداء وجماعة من الصحابة يأكلونه وهو رأي من يجوّز تخليل الخمر، وهو قول جماعة، واحتج له أبو الدرداء بقوله:(ذبح الخمر النينان والشمس) بفتح الذال المعجمة والموحدة بصيغة الفعل الماضي، والخمر مفعول مقدم على الفاعل لأن التنازع والكلام كان فيها والعرب تقدّم الأهمّ فالأهم، والنينان والشمس فاعلان له، والنينان بكسر النون الأولى جمع نون كعود وعيدان وهو الحوت، وقال القاضيان البيضاوي وعياض: ويروى ذبح الخمر بسكون الموحدة والرفع مبتدأ أو إضافته لتاليه فيجر. قال في النهاية: استعار الذبح للإحلال كأنه يقول كما أن الذبح يحلّ المذبوح فكذلك هذه الأشياء إذا وضعت في الخمر قامت مقام الذبح فاحتلها، وقال البيضاوي: يريد أنها حلّت بالحوت المطروح فيها وطبخها بالشمس فكان ذلك كالذكاة للحيوان، وقال غيره معنى ذبحتها أبطلت فعلها.
وأخرج الحافظ أبو موسى في جزء أفرده لهذه المسألة بسنده عن عطية بن قيس، قال: مرّ رجل من أصحاب أبي الدرداء -رضي الله عنه- ورجل يتغذى فدعاه إلى طعامه فقال: وما طعامك؟
قال: خبز ومري وزيت. قال: المري الذي يصنع من الخمر؟ قال: نعم، قال: هو خمر فتواعدا إلى أبي الدرداء -رضي الله عنه- فسألاه فقال: ذبحت خمرها الشمس والملح والحيتان يقول لا بأس به. وعن ابن وهب سمعت مالكًا يقول: سمعت ابن شهاب سئل عن خمر جعلت في قلة وجعل فيها ملح وأخلاط كثيرة ثم جعلت في الشمس حتى عاد مريًّا يصطبغ به. قال ابن شهاب: شهدت قبيصة بن ذؤيب ينهى أن يجعل الخمر مريًّا إذا أخذ وهو خمر، وعن رجليه مولاة معاوية قالت: حججنا مع عبد الله بن أبي زكريا فأهدى عبد الله بن أبي زكريا لعمر بن عبد العزيز المري الذي يصنع بالخمر فأكل منه، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه كان يقول: في المري الذي يعمله المشركون من الخمر لا بأس به ذبحه الملح.
فإن قلت: ما وجه إيراد المؤلّف لهذا الأثر هنا في طهارة صيد البحر؟ أجيب: بأنه يريد أن السمك طاهر حلال وإن طهارته وحله يتعدى إلى غيره كالملح حتى يصير الحرام النجس بإضافتها إليه طاهرًا حلالًا، وهذا إنما يتأتى على القول بجواز تخليل الخمر. وقال الحافظ أبو ذر مما رأيته بهامش اليونينية: إذا طرحت النينان في الخمر ذبحته وحركته فصار مريًّا، وكذلك إذا ترك للشمس، وهذا خلاف مذهب الشافعي، والبخاري -رحمه الله تعالى- لم يتحرّ مذهب إمام بعينه بل اعتمد على ما صحّ عنده من الحديث ثم أكده