للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والخلاف ابتلاء منه وللسحر حقيقة عند أهل السُّنَّة وعند

المعتزلة هو تخييل وتمويه، وقيل التفريق إنما يكون بأن يعتقد أن ذلك السحر مؤثر في هذا التفريق فيصير كافرًا وإذا صار كافرًا بانت منه زوجته ({وما هم بضارين به}) بالسحر ({من أحد إلا بإذن الله}) ما حجازية فهم اسمها وبضاري خبرها والباء زائدة فهو في محل نصب أو تميمية فهم مبتدأ أو بضارين خبره والباء زائدة أيضًا فهو في محل رفع والضمير فيه عائد على السحرة العائد عليهم ضمير فيتعلمون أو على اليهود العائد عليهم ضمير واتبعوا أو يعود على الشياطين والضمير في به يعود على ما في قوله ما يفرقون به، وقوله إلا بإذن الله استثناء مفرغ من الأحوال فهو في موضع نصب على الحال وصاحبه الفاعل المستكن في بضارين أو المفعول وهو أحد لجواز مجيء الحال من النكرة لاعتمادها على النفي أو الهاء في به أي بالسحر والتقدير وما يضرون أحدًا بالسحر إلا ومعه علم الله أو مقرونًا بإذن الله ونحو ذلك.

فإن قلت الإذن حقيقة في الأمر والله لا يأمر بالسحر لأنه ذمهم عليه ولو أمرهم به لما جاز أن يذمهم عليه. أجيب: بأن المراد منه التخلية يعني إذا سحر الإنسان فإن شاء الله منعه منه وإن شاء خلى بينه وبين ضرر السحر أو المراد إلا بعلم الله ومنه سمي الأذان لأنه إعلام بدخول الوقت أو أن الضرر الحاصل عند فعل السحر إنما يحصل بخلق الله ({ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم}) في الآخرة لأنهم يقصدون الشر ({ولقد علموا}) هؤلاء اليهود ({لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق}) [البقرة: ١٠٢] من نصيب واستعير لفظ الشراء لوجهين.

أحدهما: أنهم لما نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وأقبلوا على التمسك بما تتلو الشياطين فكأنهم اشتروا السحر بكتاب الله.

وثانيهما: أن الملكين إنما قصدا بتعليم السحر الاحتراز عنه وهؤلاء أبدلوا ذلك الاحتراز بالوصول إلى منافع الدنيا، وسقط في رواية أبي ذر {وما يعلمان} إلى آخره، وقال بعد قوله: {وماروت} الآية. وقال في رواية ابن عساكر إلى قوله: {من خلاق} واختلف في المراد بالآية فقيل إن قوله: واتبعوا هم اليهود الذين كانوا زمن نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقيل: هم الذين كانوا في زمن سليمان عليه الصلاة والسلام من السحرة لأن أكثر اليهود ينكرون نبوّة سليمان عليه السلام ويدعونه من جملة ملوك الدنيا وهؤلاء ربما اعتقدوا فيه أنه إنما وجد الملك العظيم بسبب السحر، وقيل: إنه يتناول الكل وهو أولى، واختلف في المراد بالشياطين فقيل: شياطين الإنس، وقيل: هم شياطين الإنس والجن، قال السدي: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع ويضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلقولها إلى الكهنة فدوّنوها في الكتب وعلموها الناس وفشا ذلك في زمن سليمان فقالوا: إن الجن تعلم الغيب وكانوا يقولون هذا علم سليمان وما تم ملكه إلا بهذا العلم وبه سخر الجن والإنس والطير والريح التي تجري بأمره، وأما القائلون بأنهم شياطين الإنس فقالوا: روي أن سليمان عليه الصلاة والسلام كان قد دفن كيرًا من العلوم التي خصّه الله بها تحت سرير ملكه خوفًا على أنه إن هلك الظاهر يبقى ذلك المدفون، فلما مضت مدة على ذلك توصل قوم من

المنافقين إلى أن كتبوا في خلال ذلك أشياء من السحر تناسب تلك الأشياء من بعض الوجوه ثم بعد موته واطلاع الناس على تلك الكتب أوهموا الناس أنه من عمل سليمان وأنه إنما وصل إلى ما وصل بسبب هذه الأشياء وإنما أضافوا السحر لسليمان تفخيمًا لشأنه وترغيبًا للقوم في قبول ذلك، وقيل: إنه تعالى لما سخر الجن لسليمان وكان يخالطهم ويستفيد منهم أسرارًا عجيبة غلب على الظنون أنه عليه الصلاة والسلام استفاد السحر منهم بقوله تعالى: {وما كفر سليمان} [البقرة: ١٠٢] تنزيه له عليه السلام عن الكفر، وروي أن بعض الأحبار من اليهود قال: ألا تعجبون من محمد يزعم أن سليمان كان نبيًّا وما كان إلا ساحرًا فأنزل الله هذه الآية قاله في اللباب.

(وقوله تعالى): بالجر عطفًا على المجرور السابق ({ولا يفلح الساحر}) أي هذا الجنس ({حيث أتى}) [طه: ٦٩] أينما كان. وقال الراغب: حيث

<<  <  ج: ص:  >  >>