للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عبارة عن مكان مهم يشرح بالجملة التي بعده كقوله تعالى: {وحيثما كنتم} [البقرة: ١٤٤] {ومن حيث خرجت} [البقرة: ١٤٩] (وقوله) عز وجل: ({أفتأتون السحر وأنتم تبصرون} [الأنبياء: ٣] أي إنهم كانوا يعتقدون أن الرسول لا يكون إلا ملكًا وأن كل من ادّعى الرسالة من البشر وجاء بالمعجزة فهو ساحر ومعجزته سحر؛ ولذا قال قائلهم منكرًا على من اتبعه: أفتأتون السحر أي أفتتبعونه حتى تصيروا كمن اتّبع السحر وهو يعلم أنه سحر. (وقوله) تعالى: ({يخيل إليه}) إلى موسى ({من سحرهم أنها}) أي العصيّ ({تسعى}) [طه: ٦٦] لأنهم أودعوها من الزئبق ما كانت تتحرك بسببه وتضطرب وتمتد بحيث يخيل للناظرين أنها تسعى باختيارها وإنما كان حيلة وكانوا جمًّا غفيرًا وجمعًا كثيرًا فألقى كلٌّ منهم عصًا وحبلاً حتى صار الوادي ملآن حيات يركب بعضها بعضًا ولا حجة فيها للقائل إن السحر تخييل لأنها وردت في هذه القصة وكان سحرهم كذلك ولا يلزم منه أن جميع أنواع السحر تخييل (وقوله) تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} [الفلق: ٤]. و {النفاثات}): النساء (السواحر) أو النفوس أو الجماعات اللاتي يعقدن عقدًا في خيوط وينفثن عليها ويرقين وفيه دليل على بطلان قول المعتزلة في إنكار تحقق السحر، وقوله تعالى: في سورة المؤمنون ({تسحرون}) [المؤمنون: ٨٩] أي (تعمون) بضم أوله وفتح الميم وقال ابن عطية: السحر هنا مستعار لما وقع من التخليط ووضع الشيء في غير موضعه.

٥٧٦٣ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ مِنْ بَنِى زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّىْءَ وَمَا فَعَلَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهْوَ عِنْدِى لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا ثُمَّ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ أَتَانِى رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَىَّ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: مَطْبُوبٌ قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، قَالَ: فِى أَىِّ شَىْءٍ؟ قَالَ: فِى مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِى بِئْرِ ذَرْوَانَ» فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَجَاءَ فَقَالَ: «يَا

عَائِشَةُ كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ أَوْ كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أَسْتَخْرِجُهُ؟ قَالَ: «قَدْ عَافَانِى اللَّهُ فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا». فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ. تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَأَبُو ضَمْرَةَ وَابْنُ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ، وَقَالَ اللَّيْثُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ هِشَامٍ فِى مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ، يُقَالُ: الْمُشَاطَةُ مَا يَخْرُجُ مِنَ الشَّعَرِ إِذَا مُشِطَ وَالْمُشَاقَةُ مِنْ مُشَاقَةِ الْكَتَّانِ.

وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الرازي الفراء الحافظ قال: (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أحد الأعلام في الحفظ والعبادة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: سحر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل من بني زريق) بضم الزاي وفتح الراء آخره قاف (يقال له لبيد بن الأعصم) بفتح اللام وكسر الموحدة والأعصم بالعين والصاد المهملتين بوزن الأحمر، وفي مسلم أنه يهودي من بني زريق (حتى كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله) ثبت قوله إنه كان في رواية أبي ذر، وفي رواية ابن عيينة في الباب التالي كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وحينئذ فلا تمسك لبعض المبتدعة بقوله: إنه يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله الزاعم أن الحديث باطل لاحتمال أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثمة، وأنه يوحى إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء. قال المازري: وهذا كله مردود فقد قام الدليل على صدقه عليه الصلاة والسلام فيما يبلغه عن الله وعلى عصمته في التبليغ فما حصل له من ضرر السحر ليس نقصًا فيما يتعلق بالتبليغ بل هو من جنس ما يجوز عليه من سائر الأمراض (حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة) من إضافة المسمى إلى الاسم أو ذات مقحمة للتأكيد والشك من الراوي (وهو عندي لكنه دعا ودعا) أي لكنه لم يكن مشتغلاً بي بل بالدعاء والمستدرك منه هو قوله وهو عندي أو قوله كان يخيل إليه أي كان السحر أثر في بدنه لا في عقله وفهمه بحيث إنه توجه إلى الله تعالى ودعا على الوضع الصحيح والقانون المستقيم قاله في الكواكب الدراري (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

(يا عائشة أشعرت) أي أعلمت (أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه) أي أجابني فيما دعوته أو المعنى أجابني عما سألته عنه لأن دعاءه كان أن يطلعه على حقيقته ما هو فيه لما اشتبه عليه من الأمر (أتاني رجلان) أي ملكان كما عند الطبراني وعند ابن سعد في رواية منقطعة أنهما جبريل وميكائيل (فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي) جزم الدمياطي في سيرته بأن الذي قعد عند رأسه جبريل (فقال أحدهما) وهو جبريل أو ميكائيل قيل: وهو أصوب (لصاحبه ما وجع الرجل)؟ أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: مطبوب) بالطاء المهملة الساكنة والباءين الموحدتين أي مسحور قيل كنّوا عن السحر بالطب تفاؤلاً كما قالوا للديغ سليم (قال: من طبه)؟ من سحره (قال) طبه (لبيد بن الأعصم. قال: في أي شيء)؟ طبه (قال: في مشط) بضم الميم وسكون المعجمة الآلة

<<  <  ج: ص:  >  >>