في الاعتذار يتمسك به، قال ابن بطال: إنما كانت الستون حدًّا لهذا لأنها قريبة من معترك المنايا وهي سن الإنابة والخشوع وترقب المنية فهذا إعذار بعد إعذار لطفًا من الله تعالى بعباده حتى نقلهم من حالة الجهل إلى حالة العلم ثم أعذر إليهم فلم يعاقبهم إلا بعد الحجج الواضحة وإن كانوا فطروا على حب الدنيا وطول الأمل لكنهم أمروا بمجاهدة النفس في ذلك ليمتثلوا ما أمروا به من الطاعة وينزجروا عما نهوا عنه من المعصية، قال بعض الحكماء: الأسنان أربعة سن الطفولية ثم الشباب ثم الكهولة ثم الشيخوخة وهي آخر الأسنان، وغالب ما يكون بين الستين إلى السبعين فحينئذ يظهر ضعف القوة بالنقص والانحطاط فينبغي له الإِقبال على الآخرة بالكلية لاستحالة أن يرجع إلى الحالة الأولى من النشاط والقوّة.
قلت: ورأيت لأبي الفرج بن الجوزي الحافظ جزءًا لطيفًا سماه تنبيه الغمر بمواسم العمر ذكر فيه أنها خمسة: الأول من وقت الولادة إلى زمن البلوغ، والثاني إلى نهاية شبابه خمس وثلاثين، والثالث إلى تمام الخمسين وهو الكهولة قال: وقد يقال له كهل لما قبل ذلك، والرابع إلى تمام السبعين وذلك زمان الشيخوخة، والخاص إلى آخر العمر قال: وقد يتقدم ما ذكرنا من السنين ويتأخر.
(تابعه) أي تابع معن بن محمد (أبو حازم) سلمة بن دينار مما رواه النسائي عن يعقوب بن عبد الرَّحمن عن أبي حازم (و) تابع معنا أيضًا (ابن عجلان) محمد فيما رواه الطبراني في الأوسط عن عبد الرزاق عن معمر عن منصور بن المعتمر عن محمد بن عجلان كلاهما (عن المقبري) أبي سعيد ذكوان عن أبي هريرة بلفظ: من أتت عليه ستون سنة فقد أعذر الله إليه في العمر.
٦٤٢٠ - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَا يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِى اثْنَتَيْنِ: فِى حُبِّ الدُّنْيَا، وَطُولِ الأَمَلِ». قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى يُونُسُ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى سَعِيدٌ وَأَبُو سَلَمَةَ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا أبو صفوان عبد الله بن سعيد) الأموي نزل مكة قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري
أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول):
(لا يزال قلب) المرء (الكبير) أي الشيخ (شابًّا) قويًا (في اثنتين) أي خصلتين (في حب الدنيا) المال (و) محبة (طول الأمل) أي العمر كما فسرا في الحديث اللاحق وأشار إلى قوة استحكام حبه للمال أو هو من باب المشاكلة والمطابقة. وقال في المصابيح: فيه إيهام الطباق بين الكبير والشاب والاستعارة في شابًّا والتوشيع في قوله: في اثنتين الخ إذ هو عبارة عن أن يأتي في عجز الكلام بمثنى مفسر بمعطوف ومعطوف عليه كقوله:
إذا أبو قاسم جادت لنا يده … لم يحمد الأجودان البحر والمطر
والحديث أخرجه مسلم في الزكاة والنسائي في الرقائق.
(قال الليث) ولأبي ذر: قال ليث بن سعد الإِمام مما وصله الإِسماعيلي من طريق أبي صالح كاتب الليث عنه (حدثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (و) قال (ابن وهب) عبد الله مما وصله مسلم عن حرملة عنه (عن يونس) أيضًا (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد) هو ابن المسيب (وأبو سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف ولفظ الأول كلفظ حديث الباب إلا أنه قال: المال بدل الدنيا ولفظ الآخر: قلب الشيخ شاب على حب اثنتين طول الحياة وحب المال، وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة وزاد في أوله أن ابن آدم يضعف جسمه وينحل لحمه من الكبر وقلبه شاب.
٦٤٢١ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ وَيَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَانِ: حُبُّ الْمَالِ وَطُولُ الْعُمُرِ».
رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ.
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا هشام) الدستواني قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك ﵁) وسقط ابن مالك لغير أبي ذر (قال: قال رسول الله ﷺ):
(يكبر ابن آدم) بفتح الموحدة أي يطعن في السن (ويكبر) بفتح الموحدة أيضًا في الفرع فيهما كأصله وتضم أي ويعظم فعبّر عن الكثرة وهي كثرة عدد السنين بالعظم (معه اثنان حب المال وطول العمر) وفي رواية أبي عوانة عن قتادة عند مسلم يهرم ابن آدم ويشب معه اثنان الحرص على المال والحرص على العمر.