النووي: معناه أنه لا يزال حريصًا على الدنيا حتى يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره.
وهذا الحديث خرج على حكم غالب بني آدم في الحرص على الدنيا ويؤيده قوله: (ويتوب الله على من تاب) وهو متعلق بما قبله ومعناه أن الله يقبل التوبة من الحرص المذموم وغيره من المذمومات.
٦٤٣٩ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لَوْ أَنَّ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَادِيَانِ، وَلَنْ يَمْلأَ فَاهُ إِلاَّ التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ».
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين المهملة بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك) ﵁ (أن رسول الله) ولأبي ذر أن النبي (ﷺ قال):
(لو أن لابن آدم واديًا من ذهب أحب) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لأحب (أن يكون له واديان) أي من ذهب (ولن يملأ) ولأبي ذر عن الكشميهني ولا يملأ (فاه) أي فمه (إلا التراب) عبر في الأولى والثالثة بالجوف وفي الثانية بالعين وفي الأخيرة بفاه، وعند الإِسماعيلي من رواية حجاج بن محمد عن ابن جريج بالنفس، وعند أحمد من حديث أبي واقد بالبطن قال في الكواكب: ليس المراد الحقيقة في عضو بعينه بقرينة عدم الانحصار في التراب إذ غيره يملؤه أيضًا بل هو كناية عن الموت لأنه مستلزم للامتلاء فكأنه قال: لا يشبع من الدنيا حتى يموت فالغرض من العبارات كلها واحد وليس فيها إلا التفنن من الكلام اهـ.
قال في الفتح: وهذا يحسن فيما إذا اختلفت مخارج الحديث، وأما إذا اتحدت فهو من تصرف الرواة ثم نسبة الامتلاء للجوف واضحة والبطن بمعناه وأما النفس فعبر بها عن الذات وأطلق الذات وأراد البطن من باب إطلاق الكل وإرادة البعض، ويحتمل أن يكون المراد بالنفس العين وأما النسبة إلى الفم فلكونه طريق الوصول إلى الجوف وأما العين فلأنها الأصل في الطلب لأنه يرى ما يعجبه فيطلبه ليحوزه إليه وخص البطن في أكثر الروايات لأن أكثر ما يطلب المال لتحصيل المستلذات وأكثرها تكرار إلى والشرب. (ويتوب الله على من تاب).
قال في شرح المشكاة: يمكن أن يقال معناه أن بني آدم مجبولون على حب المال والسعي في طلبه وأن لا يشبع منه إلا من عصمه الله تعالى ووفقه لإزالة هذه الجبلة عن نفسه وقليل ما هم فوضع ويتوب الله على من تاب موضعه إشعارًا بأن هذه الجبلة المذكورة فيه مذمومة جارية مجرى الذنب، وأن إزالتها ممكنة، ولكن بتوفيق الله تعالى وتسديده ونحوه قوله تعالى ﴿ومن يوق شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون﴾ [الحشر: ١٩؛ والتغابن: ١٦] أضاف الشح إلى النفس دلالة على أنه غريزة فيها وبين إزالته بقوله (يوق) ورتب عليه قوله: (﴿فأولئك هم المفلحون﴾).
وهاهنا نكتة دقيقة فإن في ذكر بني آدم تلويحًا إلى أنه مخلوق من التراب ومن طبعه القبض واليبس فيمكن إزالته بأن يمطر الله سبحان وتعالى عليه السحاب من غمائم توفيقه فيثمر حينئذ الخلال الزكية والخصال المرضية والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا
فمن لا يتداركه التوفيق وتركه وحرصه لم يزدد إلا حرصًا وتهالكًا على جمع المال قال: وموقع قوله: ويتوب الله على من تاب موقع الرجوع يعني أن ذلك لعسير صعب، ولكن يسير على من يسره الله عليه فحقيق أن لا يكون هذا من كلام البشر بل هو من كلام خالق القوى والقدر اهـ.
وفي الحديث ذم الحرص والشره، ولذا آثر أكثر السلف التقلل من الدنيا والقناعة والرضا باليسير قال البخاري بالسند السابق إليه:
٦٤٤٠ - وَقَالَ لَنَا أَبُو الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُبَىٍّ قَالَ: كُنَّا نَرَى هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ حَتَّى نَزَلَتْ ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ [التكاثر: ١].
(وقال لنا أبو الوليد): هشام بن عبد الملك الطيالسي وهذا ظاهره الوصل وليس للتعليق وإن قيل إنه للإجازة أو للمناولة أو للمذاكرة لأن ذلك في حكم الموصول نعم الذي يظهر بالاستقراء من صنيع المؤلف أنه لا يأتي بهذه الصيغة إلا إذا كان المتن ليس على شرطه في أصل موضوع كتابه كأن يكون ظاهره الوقف أو في السند من ليس على شرطه في الاحتجاج قاله في الفتح (حدّثنا حماد بن سلمة) بفتحتين (عن ثابت) البناني (عن أنس عن أبي) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد