(قالوا: ولا أنت يا رسول الله. قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله) بالغين المعجمة وبعد الميم دال مهملة أي أن يسترني الله (برحمة) منه والاستثناء منقطع ويحتمل أن يكون متصلاً من قبيل قوله تعالى {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} [الدخان: ٥٦] وقال الرافعي في أماليه: كما كان أجر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الطاعة أعظم وعمله في العبادة أقوم قيل له ولا أنت أي لا ينجيك عملك مع عظم قدرك فقال لا إلا برحمة الله (سددوا) بالسين المهملة المفتوحة وكسر الدال المهملة الأولى اقصدوا السداد أي الصواب ولمسلم من رواية بسر بن سعيد عن أبي هريرة ولكن سددوا ومعنى الاستدراك أنه قد يفهم من النفي المذكور نفي فائدة العمل فكأنه قيل بل له فائدة وهو أن العمل علامة على وجود الرحمة التي تدخل الجنة فاعملوا واقصدوا بعملكم الصواب وهو اتباع السنة من الإخلاص وغيره ليقبل عملكم فتنزل عليكم الرحمة (وقاربوا) لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في
العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال فتتركوا العمل (واغدوا) بالغين المعجمة الساكنة والدال المهملة سيروا من أول النهار (وروحوا) سيروا من أول النصف الثاني من النهار (وشيء) بالرفع في الفرع كأصله مصححًا عليه وقال: في الفتح وشيئًا بالنصب بفعل محذوف أي افعلوا شيئًا (من الدلجة) بضم الدال المهملة وسكون اللام وتفتح بعدها جيم سير الليل يقال سار دلجة من الليل أي ساعة. (والقصد القصد) بالنصب على الإغراء أي الزموا الطريق الوسط المعتدل (تبلغوا) المنزل الذي هو مقصدكم والقصد الثاني تأكيد وقد شبه التعبدين بالمسافرين لأن العابد كالسافر إلى محل إقامته وهو الجنة وكأنه قال: لا تستوعبوا الأوقات كلها بالسير بل اغتنموا أوقات نشاطكم وهو أول النهار وآخره وبعض الليل وارحموا أنفسكم فيما بينهما لئلا ينقطع بكم والحديث من أفراده.
٦٤٦٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، وَأَنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ أَدْوَمُهَا إِلَى اللَّهِ وَإِنْ قَلَّ».
وبه قال: (حدّثنا عبد العزير عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال (عن موسى بن عقبة) بسكون القاف الأسدي المدني (عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن) بن عوف (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(سددوا) بمهملات (وقاربوا) لا تبلغوا النهاية بل تقربوا منها (واعلموا أن) ولأبي ذر عن الكشميهني أنه (لن يدخل) بضم أوّله من الإِدخال (أحدكم) بالنصب مفعول قوله (عمله الجنة) نصب على الظرفية (وإن أحب الأعمال أدومها إلى الله) عز وجل (وإن قلّ) أي إن كثر وإن قل والمراد بالدوام المواظبة العرفية وهي الإتيان بذلك في كل شهر أو كل يوم بقدر ما يطلق عليه اسم الداومة عرفًا لا شمول الأزمنة إذ هو غير مقدور.
والحديث أخرجه مسلم في التوبة والنسائي في الرقائق.
٦٤٦٥ - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَىُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ، -وَقَالَ-: اكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن عرعرة) بن البرند قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد بن إبراهيم) بسكون العين ابن عبد الرَّحمن بن عوف الزهري قاضي المدينة (عن) عمه (أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم السين مبنيًّا للمفعول ولم أعرف اسم السائل (أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال):
(أدومها وإن قلّ). فإن قلت: المسؤول عنه أحب الأعمال وظاهره السؤال عن ذات العمل والجواب ورد بأدوم وهو صفة العمل فلم يتطابقا. أجيب: باحتمال أن يكون هذا السؤال وقع بعد قوله في الحديث السابق في الصلاة والحج وفي بر الوالدين حيث أجاب بالصلاة ثم بالبر الخ، ثم ختم ذلك بأن المداومة على عمل من أعمال البر ولو كان مفضولاً أحب إلى الله من عمل يكون أعظم أجرًا لكن ليس فيه مداومة قاله في الفتح.
(وقال) عليه الصلاة والسلام بالسند السابق (اكلفوا) بهمزة وصل وفتح اللام في الفرع وتضم (من الأعمال) كالصلاة والصيام وغيرهما من العبادات ولأبي ذر عن المستملي من العمل (ما تطيقون) ما مصدرية أي قدر طاقتكم أو موصولة أي الذي تطيقونه أي ابلغوا بالعمل غايته التي تطيقونها مع الدوام من غير عجز