في المستقبل، ولا ريب أن المديم للعمل ملازم للخدمة فيكثر ترداده إلى باب الطاعة في كل وقت فيجازى بالبر لكثرة تردده فليس هو كمن لازم الخدمة مثلاً ثم انقطع، وأيضًا فإن العامل إذا ترك العمل صار كالمعرض بعد الوصل فيتعرض للذم والجفاء.
٦٤٦٦ - حَدَّثَنِى عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ كَانَ عَمَلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الأَيَّامِ؟ قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَطِيعُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عثمان بن أبي شيبة) قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن) خاله (علقمة) بن قيس أنه (قال: سألت أم المؤمنين عائشة) -رضي الله عنها- (قلت) ولأبي ذر فقلت (يا أم المؤمنين كيف كان عمل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هل كان يخص شيئًا من الأيام) بعبادة مخصوصة لا يفعل مثلها في غيره (قالت: لا) وهذا لا يعارضه قولها إن أكثر صيامه كان في شعبان لأنه كان يوعك كثيرًا ويكثر السفر فيفطر بعض الأيام التي كان يصومها ولا يتمكن من قضاء ذلك إلا في شعبان فصيامه فيه بحسب الصورة أكثر من صيامه في غيره (كان عمله) عليه الصلاة والسلام (ديمة) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية أي دائمًا والديمة في الأصل المطر المستمر مع سكون بلا رعد ولا برق ثم استعمل في غيره وأصلها الواو لأنها من الدوام فانقلبت لسكونها وانكسار ما قبلها ياء. وقال في المصابيح: كان عمله ديمة فلا جرم أن سحائب نفعه على الخلق مستمرة بالانصباب بالرحمة عليهم مخصبة لأرض قلوبهم بربيع محبته جزاه الله أحسن ما جزى نبيًّا عن أمته وقد شبهت عمله في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر (وأيكم يستطيع) في العبادة (ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستطيع) من الهيئة أو الكيفية من الخشوع والخضوع والإخبات والإخلاص.
والحديث سبق في الصوم.
٦٤٦٧ - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا فَإِنَّهُ لَا يُدْخِلُ أَحَدًا الْجَنَّةَ عَمَلُهُ»، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا أَنَا إِلَاّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِى اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ». قَالَ: أَظُنُّهُ عَنْ أَبِى النَّضْرِ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ. وَقَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا». وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قَوْلاً سَدِيدًا: وَسَدَادًا صِدْقًا.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا محمد بن الزبرقان) بكسر الزاي والراء بينهما موحدة ساكنة وبعد القاف ألف فنون الأهوازي أبو همام وثقه الدارقطني وابن المديني وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وقد توبع فيه قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) المدني (عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن) بن عوف (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(سددوا) أي اقصدوا السداد وهو الصواب (وقاربوا) أي اقصدوا الأمور التي لا غلو فيها ولا تقصير (وأبشروا) بالثواب على العمل وإن قل وهمزة أبشروا قطع (فإنه لا يدخل) بضم التحتية وكسر المعجمة (أحد الجنة عمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة) منه (ورحمة). قال الرافعي: فيه أن العامل لا ينبغي أن يتكل على عمله في طلب النجاة ونيل الدرجات لأنه إنما عمل بتوفيق الله وإنما ترك المعصية بعصمة الله فكل ذلك بفضله ورحمته.
واستشكل قوله: لن يدخل أحدًا الجنة عمله مع قوله تعالى: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} [الزخرف: ٧٢] وأجيب: بأن أصل الدخول إنما هو برحمة الله واقتسام المنازل فيها بالأعمال فإن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال، فإن قلت: قوله تعالى {سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [النحل: ٣٢] مصرح بأن دخول الجنة أيضًا بالأعمال أجيب: بأنه لفظ مجمل بينه الحديث والتقدير ادخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون، فليس المراد بذلك أصل الدخول، وفي كتاب المواهب اللدنية بالمنح المحمدية مزيد لذلك والله الموفق والمعين.
(قال) علي بن عبد الله المديني: (أظنه عن أبي النضر) بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة سالم بن أبي أمية المدني التيمي (عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن (عن عائشة) -رضي الله عنها- وكأن ابن المديني جوز أن يكون موسى بن عقبة لم يسمع هذا الحديث من أبي سلمة وأن بينهما فيه واسطة وهو أبو النضر بخلاف الطريق الأولى فإنها بلا واسطة لكن ظهر من وجه آخر أن لا واسطة ويدل له قوله: {وقال عفان) بن مسلم الصفار أي فيما رواه عنه المؤلّف مذاكرة (حدّثنا
وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد (عن موسى بن عقبة) أنه (قال: سمعت أبا سلمة) بن عبد الرَّحمن فصرح وهيب عن موسى