بالرفع خبر الموصول (يريد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفسه) الزكية وكذا غيره لقوله في الحديث الآخر "إنّا معاشر الأنبياء لا نورث" فليس ذلك من الخصائص، وقيل إن قول عمر يريد نفسه أشار به إلى أن النون في قوله: لا نورث للمتكلم خاصة لا للجميع، وحكى ابن عبد البر أن للعلماء في ذلك قولين وأن أكثر على أن الأنبياء لا يورثون. وأخرج الطبري من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله تعالى حكاية عن زكريا {وإني خفت الموالي}[مريم: ٥] قال: العصبة. وفي قوله {فهب لي من لدنك وليًّا يرثني}[مريم: ٦] قال يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوّة. ومن طريق قتادة عن الحسن نحوه لكن لم يذكر المال، ومن طريق مبارك بن فضالة عن الحسن رفعه مرسلاً رحم الله أخي زكريا ما كان عليه من يرث ماله فيكون ذلك مما خصه الله به، ويؤيده قول عمر يريد نفسه أي يريد اختصاصه بذلك.
(فقال الرهط) عثمان وأصحابه (قد قال) عليه الصلاة والسلام (ذلك فأقبل) عمر -رضي الله عنه- (على عليّ وعباس) -رضي الله عنهما- (فقال: هل تعلمان أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك). أي لا نورث ما تركنا صدقة. (قالا: قد قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ذلك. قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر أن الله) تعالى (قد كان خص رسوله) ولأبي ذر قد خص لرسوله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا الفيء) أي الغنيمة (بشيء لم يعطه أحدًا غيره) حيث خصصه كله به أو حيث حلل له الغنيمة ولم تحل لغيره من الأنبياء (فقال عز وجل {ما أفاء الله على رسوله}) إلى قوله ({قدير})[الحشر: ٦](فكانت) بنو النضير وخيبر وفدك (خالصة) ولأبي ذر عن الحموي خاصة (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لا حق لأحد فيها غيره (والله) ولأبي ذر ووالله (ما احتازها) بحاء مهملة وزاي مفتوحة من الحيازة ما جمعها (دونكم ولا استأثر) ما تفرد (بها عليكم لقد أعطاكموه) أي الفيء ولأبي ذر عن الكشميهني أعطاكموها أي أموال الفيء (وبثها) بالموحدة والمثلثة المفتوحتين فرقها (فيكم حتى بقي منها هذا المال) الذي تطلبان حصتكما منه (فكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينفق على أهله من هذا المال نفقة سنته ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل) بفتح الميم والعين بينهما جيم ساكنة أي يصرفه مصرف (مال الله) أي مما هو في جهة مصالح المسلمين (فعمل بذاك) بغير لام ولأبي ذر فعمل بذلك (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حياته أنشدكم بالله) بحرف الجر (هل تعلمون ذلك؟ قالوا) أي عثمان وأصحابه: (نعم) نعلمه.
(ثم قال) عمر: (لعليّ وعباس) -رضي الله عنهم- (أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم) قال عمر: (فتوفى الله) عز وجل (نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال أبو بكر) -رضي الله عنه-: (أنا وليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقبضها) أي الخالصة (فعمل) فيها (بما عمل به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيها (ثم توفى الله) عز وجل (أبا بكر فقلت: أنا وليّ وليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لأبي ذر وليّ الثانية (فقبضتها سنتين أعمل فيها ما) بغير موحدة (عمل) فيها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر) -رضي الله عنه- (ثم جئتماني وكلمتكما واحدة) متفقان لا نزاع بينكما (وأمركما جميع. جئتني) يا عباس (تسألني نصيبك من ابن أخيك) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وأتاني هذا) عليّ (يسألني نصيب امرأته) فاطمة -رضي الله عنها- (من أبيها) صلوات الله وسلامه
عليه (فقلت) لكما (إن شئتما دفعتهما إليكما بذلك) أي بأن تعملا فيها كما عمل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر (فتلتسمان) بحذف أداة الاستفهام أي أفتطلبان (مني قضاء غير ذلك، فوالله الذي) ولأبي ذر عن الكشميهني فوالذي (بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما) عنها (فادفعاها إليّ) بتشديد الياء (فأنا كفيكماها) بفتح الهمزة.
فإن قلت: إذا كان عليّ وعباس أخذاها على الشرط المذكور فيكف يطلبان بعد ذلك من عمر؟ أجيب: بأنهما اعتقدا أن عموم قوله