للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الاستقرار في الظرف فيفيد المفهوم انتفاء هذا الحصر في غير الجنة، وإليه أشار الشيخ التوربشتي بقوله يريد أن العبد المؤمن إذا تبوأ مقعده من الجنة تبوأ والحجب مرتفعة والموانع التى

تحجبه عن النظر إلى ربه مضمحلة إلا ما يصدهم من هيبة الجلال وسبحات الجمال وأبهة الكبرياء فلا يرتفع ذلك منهم إلا برأفته ورحمته تفضلاً منه على عباده. قال الطيبي: وأنشد في المعنى:

أشتاقه فإذا بدا ... أطرقت من إجلاله

لا خيفة بل هيبة ... وصيانة لجماله

وأصد عنه تجلدًا ... وأروم طيف خياله

انتهى.

والحديث من المتشابه إذ لا وجه حقيقة ولا رداء فأما أن يفوّض أو يؤوّل كأن يقال استعار لعظيم سلطان الله وكبريائه وعظمته وجلاله المانع إدراك أبصار البشر مع ضعفها لذلك رداء الكبرياء، فإذا شاء تقوية أبصارهم وقلوبهم كشف عنهم حجاب هيبته وموانع عظمته. وقال أبو العباس القرطبي: الرداء استعارة كنى بها عن العظمة كما في الحديث الآخر "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري" وليس المراد الثياب المحسوسة لكن المناسبة أن الرداء والإزار لما كانا ملازمين للمخاطب من العرب عبر عن العظمة والكبرياء بهما اهـ.

واستشكل في الكواكب ظاهر الحديث بأنه يقتضي أن رؤية الله غير واقعة وأجاب بأن مفهومه بيان قرب النظر إذ رداء الكبرياء لا يكون مانعًا من الرؤبة فعبّر عن زوال المانع عن الأبصار بإزالة الرداء. قال الحافظ ابن حجر: وحاصله أن رداء الكبرياء مانع من الرؤية فكأن في الكلام حذفًا تقديره بعد قوله إلا رداء الكبرياء فإنه يمنّ عليهم برفعه فيحصل لهم الفوز بالنظر إليه فكان المراد أن المؤمنين إذا تبوّؤوا مقاعدهم من الجنة لولا ما عندهم من هيبة الجلال لما حال بينهم وبين الرؤية حائل، فإذا أراد إكرامهم حفّهم برأفته وتفضل عليهم بتقويتهم على النظر إليه سبحانه وتعالى اهـ.

وهو معنى قول التوربشتي السابق. والحاصل أن رؤية الله تعالى واقعة يوم القيامة في الموقف لكل أحد من الرجال والنساء، وقال قوم من أهل السُّنّة: تقع أيضًا للمنافقين، وقال آخرون: وللكافرين أيضًا ثم يحجبون بعد ذلك لتكون عليهم حسرة، وأما الرؤية في الجنة فأجمع أهل السُّنّة على أنها حاصلة للأنبياء والرسل والصديقين من كل أمة ورجال المؤمنين من البشر من هذه الأمة، واختلف في نساء هذه الأمة فقيل لا يرين لأنهن مقصورات في الخيام، ولم يرد في أحاديث الرؤية تصريح برؤيتهن، وقيل يرين أخذًا من عمومات النصوص الواردة في الرؤية أو يرين في مثل أيام الأعياد لأهل الجنة تجليًّا عامًّا فيرينه لحديث أنس عند الدارقطني مرفوعًا: إذا كان يوم القيامة رأى المؤمنون ربهم عز وجل فأحدثهم عهدًا بالنظر إليه في كل جمعة ويراه المؤمنات يوم الفطر ويوم النحر، وذهب الشيخ عز الدين بن عبد السلام إلى أن الملائكة لا يرون ربهم لأنهم لم يثبت لهم ذلك كما ثبت للمؤمنين من البشر وقد قال تعالى: {لا تدركه الأبصار} [الأنعام: ١٠٣] خرج منه مؤمنو البشر

بالأدلة الثابتة فبقي على عمومه في الملائكة، ولأن للبشر طاعات لم يثبت مثلها للملائكة كالجهاد والصبر على البلايا والمحن وتحمل المشاق في العبادات لأجل الله وقد ثبت أنهم يرون ربهم ويسلم عليهم وبشرهم بإحلال رضوانه عليهم أبدًا ولم يثبت مثل هذا للملائكة اهـ.

وقد نقله عنه جماعة ولم يتعقبوه بنكير منهم العز بن جماعة، ولكن الأقوى أنهم يرونه كما نص عليه أبو الحسن الأشعري في كتابه الإبانة فقال: أفضل لذات الجنة رؤية الله تعالى ثم رؤية نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلذلك لم يحرم الله أنبياءه المرسلين وملائكته المقربين وجماعة المؤمنين والصديقين النظر إلى وجهه الكريم، ووافقه على ذلك البيهقي وابن القيم والجلال البلقيني.

والحديث سبق في تفسير سورة الرحمن.

٧٤٤٥ - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكُ بْنُ أَعْيَنَ وَجَامِعُ بْنُ أَبِى رَاشِدٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ، لَقِىَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِى الآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٧٧] الآيَةَ.

وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير

<<  <  ج: ص:  >  >>