وجوز زيادة الباء، أي دعا الكتاب على سبيل المجاز أو ضمن دعا معنى طلب (الذي بعث به دحية) بكسر الدال وفتحها ورفع التاء على الفاعلية ابن خليفة الكلبي، ولأبوي ذر والوقت عن المستملي وابن عساكر بعث به مع دحية أي بعثه عليه الصلاة والسلام معه، وكان في آخر سنة ست بعد أن رجع من الحديبية (إلى عظيم) أهل (بصرى) بضم الموحدة مقصورًا مدينة حوران أي أميرها الحرث بن أبي شمر الغساني. (فدفعه إلى هرقل) فيه مجاز لأنه أرسل به إليه صحبة عديّ بن حاتم كما في رواية ابن السكن في الصحابة، وكان وصوله إليه كما قاله الواقدي وصوّبه الحافظ ابن حجر في سنة سبع (فقرأه) هرقل بنفسه أو الترجمان بأمره، وفي مرسل محمد بن كعب القرظيّ عند الواقدي في هذه القصة فدعا الترجمان الذي يقرأ بالعربية فقرأه (فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم) فيه استحباب تصدير الكتب بالبسملة، وإن كان المبعوث إليه كافرًا.
فإن قلت: قد قدم سليمان اسمه على البسملة، أجيب: أنه إنما ابتدأ بالبسملة وكتب اسمه عنوانًا بعد ختمه لأن بلقيس إنما عرفت كونه من سليمان بقراءة عنوانه المعهود، ولذلك قالت: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم. فالتقديم واقع في حكاية الحال.
(من محمد عبد الله ورسوله) وصف نفسه الشريفة بالعبودية تعريضًا لبطلان قول النصارى في المسيح أنه ابن الله، لأن الرسل مستوون في أنهم عباد الله. وللأصيلي وابن عساكر من محمد بن عبد الله ورسول الله (إلى هرقل عظيم) أهل (الروم) أي المعظم عندهم ووصفه بذلك لمصلحة التأليف ولم يصفه بالأمرة ولا الملك لكونه معزولاً بحكم الإسلام، وقوله: عظيم بالجر بدل من سابقه، ويجوز الرفع على القطع والنصب على الاختصاص وذكر المدائني أن القارىء لما قرأ من محمد رسول الله غضب أخو هرقل واجتذب الكتاب فقال له هرقل: ما لك؟ فقال: لأنه بدأ بنفسه وسماك صاحب الروم. قال: إنك لضعيف الرأي أتريد أن أرمي بكتاب قبل أن أعلم ما فيه لئن كان رسول الله إنه لأحق أن يبدأ بنفسه ولقد صدق أنا صاحب الروم والله مالكي ومالكه. (سلام) بالتنكير، وعند المؤلف في الاستئذان السلام (على من اتبع الهدى) أي الرشاد على حد قول موسى وهارون لفرعون: {وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى}[طه: ٤٧]، والظاهر أنه من جملة ما أُمرا به أن يقولاه، ومعناه سلم من عذاب الله من أسلم فليس المراد به التحية وإن كان اللفظ يُشعِر به لأنه لم يسلم، فليس هو ممن اتبع الهدى.
(أما بعد) بالبناء على الضم لقطعه عن الإضافة المنوية لفظًا، ويؤتى بها للفصل بين الكلامين. قال في الفتح: واختلف في أول من قالها فقيل داود، وقيل يعرب بن قحطان، وقيل كعب بن لؤي،
وقيل قس بن ساعدة، وقيل سحبان. وفي خمس غرائب مالك للدارقطني أن يعقوب عليه السلام أول من قالها، فإن ثبت وقلنا إن قحطان من ذرية إسماعيل فيعقوب أوّل من قالها مطلقًا، وإن قلنا إن قحطان قبل إبراهيم فيعرب أوّل من قالها. (فإني أدعوك بدعاية الإسلام). بكسر الدال المهملة، ولمسلم كالمؤلف في الجهاد بداعية الإسلام أي بالكلمة الداعية إلى الإسلام وهي شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله، والباء بمعنى إلى، أي أدعوك إلى الإسلام. (أسلم) بكسر اللام (تسلم) بفتحها (يؤتك الله أجرك مرتين) بالجزم في الأول على الأمر، وفي الثاني جواب له، والثالث بحذف حرف العلة جواب ثانٍ له أيضًا، أو بدل منه، وإعطاء الأجر مرتين لكونه مؤمنًا بنبيّه. ثم آمن بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو من جهة أن إسلامه يكون سببًا لإسلام أتباعه. وقوله: أسلم تسلم فيه غاية الاختصار ونهاية الإيجاز والبلاغة وجمع المعاني مع ما فيه من الجناس الاشتقاقي، وهو أن يرجع اللفظان في الاشتقاق إلى أصل واحد، وعند المؤلف في الجهاد أسلم تسلم وأسلم يؤتك بتكرار أسلم مع زيادة الواو في الثانية، فيكون الأمر الأوّل للدخول في الإسلام والثاني للدوام عليه على حدّ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا}[النساء: ١٣٦] قاله في الفتح، وعورض بأن الآية في حق المنافقين، أي يا أيها الذين آمنوا نفاقًا آمنوا إخلاصًا. وأجيب بأنه قول مجاهد. وقال ابن عباس في مؤمني أهل الكتاب، وقال جماعة من المفسّرين: خطاب للمؤمنين، وتأويل آمنوا بالله أقيموا