ودوموا واثبتوا على أيمانكم. (فإن توليت) أي أعرضت عن الإسلام (فإن عليك) مع إثمك (إثم اليريسين) بمثناتين تحتيتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة بينهما راء مكسورة ثم سين مكسورة ثم مثناة تحتية ساكنة ثم نون، جمع يريس على وزن كريم. وفي رواية الأريسين بقلب المثناة الأولى همزة وفي أخرى اليريسيين بتشديد الياء بعد السين جمع يريسيّ وهي التي في الفرع كأصله عن الأربعة، والرابعة وهي للأصيلي كما في اليونينية الأريسيين بتشديد الياء بعد السين كذلك، إلا أنه بالهمزة في أوّله موضع الياء، والمعنى أنه إذا كان عليه إثم الاتباع بسبب اتباعهم له على استمرار الكفر، فلأن يكون عليه إثم نفسه أولى.
فإن قلت: هذا معارض بقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام: ١٦٤] أجيب بأن وزر الإثم لا يتحمله غيره، ولكن الفاعل المتسبب والمتلبس بالسيئات يتحمل من جهتين، جهة فعله وجهة تسببه. والأريسيون الأكارون أي الفلاحون والزراعون، أي عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون لأمرك. ونبّه بهم على جميع الرعايا لأنهم الأغلب في رعاياه، وأسرع انقيادًا فإذا أسلم أسلموا وإذا امتنع امتنعوا. وقال أبو عبيد المراد بالفلاحين أهل مملكته لأن كل من كان يزرع فهو عند العرب فلاح، سواء كان يلي ذلك بنفسه أم بغيره، وعند كراع هم الأجراء. وعند الليث العشارون يعني أهل المكس. وعند أبي عبيدة الخدم والخول يعني لصده إياهم عن الدين. كما قال تعالى:{رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا}[الأحزاب: ٦٧] الآية. والأوّل أظهر. وقيل: كان أهل السواد أهل فلاحة وكانوًا مجوسًا، وأهل الروم أهل صناعة، فاعلموا بأنهم وإن كانوا أهل كتاب بأن عليهم إن لم يؤمنوا
من الإثم مثل إثم المجوس الذين لا كتاب لهم، وفي قوله: فإن توليت استعارة تبعية لأن حقيقة التولي إنما هو بالوجه، ثم استعمل مجازًا في الإعراض عن الشيء.
(ويا أهل الكتاب) كذا في رواية عبدوس والنسفيّ والقابسي، وهو الذي في اليونينية بالواو عطفًا على قوله أدعوك أي أدعوك بدعاية الإسلام وأدعوك بقوله تعالى أو أتلو عليك أو أقرأ عليك أهل الكتاب، وعلى هذا التقدير فلا تكون زائدة في التلاوة لأن الواو إنما دخلت على محذوف ولا محذور فيه.
قإن قلت: يلزم عليه حذف المعطوف وبقاء حرف العطف وهو ممتنع أجيب: بأنما ذاك إذا حذف المعطوف وجميع متعلقاته، أما إذا بقي من اللفظ شيء هو معمول للمحذوف فلا نسلم امتناع ذلك كقوله تعالى:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ}[الحشر: ٩]، أي وأخلصوا الإيمان. وكقوله:
وزججن الحواجب والعيونا
أي وكحلن
وعلفتها تبنًا وماءً باردًا
أي وسقيتها إلى غير ذلك.
فإن قلت: العطف مشكل لأنه يقتضي تقييد التلاوة بتوليه وليس كذلك، أجيب: بأنه إنما هو معطوف على مجموع الجملة المشتملة على الشرط والجزاء لا على الجزاء فقط، وقيل: إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يرد التلاوة بل أراد مخاطبتهم بذلك، وحينئذ فلا إشكال، وعورض بأن العلماء استدلوا بهذا الحديث على جواز كتابة الآية والآيتين إلى أرض العدو، ولولا أن المراد الآية لما صح الاستدلال، وهم أقوم وأعرف. وبأنه لو لم يرد الآية لقال عليه الصلاة والسلام فإن توليتم، وفي الحديث: فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون، لكن يمكن الانفصال عن هذا الأخير بأنه من باب الالتفات. وفي رواية الأصيلي وأبي ذر كما قاله عياض يا أهل الكتاب بإسقاط الواو، فيكون بيانًا لقوله بدعاية الإسلام. وقوله: يا أهل الكتاب يعمّ أهل الكتابين.
(تعالوا) بفتح اللام (إلى كلمة سواء) أي مستوية (بيننا وبينكم) لا يختلف فيها القرآن والتوراة والإنجيل، وتفسير الكلمة (أن لا نعبد إلاّ الله) أي نوحده بالعبادة ونخلص له فيها (ولا نشرك به شيئًا) ولا نجعل غيره شريكًا له في استحقاق العبادة ولا نراه أهلاً لأن يعبد (ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله). فلا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوه من التحريم والتحليل، لأن كلاً منهم بعضنا بشر مثلنا. روي أنه لما نزلت {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}[التوبة: ٣١] قال عدي بن حاتم: ما كنا نعبدهم يا رسول الله. قال: أليس كانوا يحلون لكم ويحرمون