للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوسطى من حيث العدد لم يتعيّن بذلك غير العصر من سائر الصلوات؛ إذ لا بذ أن يتعين الابتداء ليعرف الوسط، ولا دليل على ذلك، ولو فرضنا وجود دليل يرشد إلى الابتداء لم ينتهض لمعارضة الأحاديث الصحيحة المتّفق عليها المتضمّنة لأخبار الصادق المصدوق أن الوسطى هي العصر، فكيف يليق بالمتديّن أن يعول على مسلك النظر المبني على شفا جرف هار ليتحصّل له به معرفة الصلاة الوسطى، وهذه أقوال رسول الله تنادي ببيان ذلك.

واحتجّ أهل القول الثاني بأن الظهر متوسطة بين نهاريتين وبأنها في وسط النهار، ونَصْبُ هذا الدليل في مقابلة الأحاديث الصحيحة من الغرائب التي لا تقع لمنصف ولا متيقّظ.

واحتجّوا أيضًا بقوله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ (١)، فلم يذكرها ثم أمر بها حيث قال: ﴿لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ (٢)، وأفردها في الأمر بالمحافظة عليها بقوله [تعالى] (٣): ﴿وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾ (٤)، وهذا الدليل أيضًا من السقوط بمحل لا يجهل، نعم، أحسن ما يحتج به لهم حديث زيد بن ثابت (٥) وأسامة بن زيد (٦)، وسيأتيان وسنذكر الجواب عليهما (٧).

واحتجّ أهل القول الثالث بأن الصبح تأتي في وقت مشقة بسبب برد الشتاء وطيب النوم في الصيف والنعاس وفتور الأعضاء وغفلة الناس (٨)،


(١) سورة هود، الآية (١١٤).
(٢) سورة الإسراء، الآية (٧٨).
(٣) زيادة من (جـ).
(٤) سورة البقرة، الآية (٢٣٨).
(٥) سيأتي تخريجه برقم (٢٢/ ٤٣٩) من كتابنا هذا. وهو حديث صحيح.
(٦) سيأتي تخريجه برقم (٢٣/ ٤٤٠) من كتابنا هذا. وهو حديث حسن لغيره.
(٧) قال ابن رشد في مقدماته (١/ ٩٩):
"وهو قول لا دليل لقائله، إذ لا يوجد في ذلك أثر عن النبيّ يرجع إليه، وما قيل من أنها وسطى لأنها تصلّى في وسط النهار بعيد لأن لفظ وسطى إنما يحتمل أحد معنيين، إما متوسطة بين أخواتها من الصلوات، وإما فاضلة من قولهم فلان أوسط القوم يعني أفضلهم، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣]، أي خيارًا عدولًا" اهـ.
وانظر "المحرر الوجيز" (٢/ ٢٣٣)، والجامع لأحكام القرآن (٣/ ٢٠٩)، وشرح السنة (٢/ ٢٣٦)، وروح المعاني (٢/ ١٥٦)، و"الذخيرة" (١/ ٤١٨).
(٨) انظر "الجامع لأحكام القرآن" (٣/ ٢١٠)، و"شرح صحيح مسلم" للنووي (٥/ ١٢٩)، =

<<  <  ج: ص:  >  >>