وقد جاءت أحاديث كثيرة بعضها صحيح في تحريم أنواع آلات العزف التي كانت معروفة يومئذٍ كالطبل والقنين - وهو العود - وغيرها، ولم يأت ما يخالف ذلك أو يخصه، اللهم إلا الدف في النكاح والعيد، فإنه مباح على تفصيل مذكور في الفقه، وقد ذكرته في ردي على ابن حزم. ولذلك اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها، واستثنى بعضهم - بالإضافة إلى ما ذكرنا - الطبل في الحرب، وألحق بعض المعاصرين الموسيقى العسكرية ولا وجه لذلك البتة لأمور: (الأول): أنه تخصيص لأحاديث التحريم بدون مخصص سوى مجرد الرأي والاستحسان وهو باطل. (الثاني): أن المفروض في المسلمين في حالة الحرب أن يُقبلوا بقلوبهم على ربهم، وأن يطلبوا منه نصرهم على عدوهم، فذلك ادعى لطمأنينة نفوسهم، وأربط لقلوبهم، فاستعمال الموسيقى مما يفسد ذلك عليهم، ويصرفهم عن ذكر ربهم؛ قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥)﴾ [الأنفال: ٤٥] (الثالث): أن استعمالها من عادة الكفار ﴿الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ﴾ [التوبة: ٢٩] فلا يجوز لنا أن نتشبه بهم لا سيما فيما حرَّمه الله ﵎ علينا عامًا؛ كالموسيقى" اهـ. قلت: وإليك بعض الأدلة الثابتة في تحريم بعض آلات العزف وكذلك تحريم الغناء: (الأول): حديث أنس بن مالك ﵁، قال: قال رسول الله ﷺ: "صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نغمة، ورنَّة عند مصيبة". أخرجه البزار رقم (٧٩٥ - كشف) والضياء في المختارة (٦/ ١٨٨ - ١٨٩ رقم ٢٠٠٠ و ٢٢٠١) من طريق أبي عاصم، عن شبيب بن بشر، عن أنس، به. وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٣/ ١٣) وقال: "رجاله ثقات". وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" رقم الحديث (٥١٧٩): "رواته ثقات". وقال الحافظ في "مختصر زوائد البزار" رقم (٥٦٣): "وشبيب وثق". وقال في "التقريب" رقم (٢٧٣٨): "صدوق يخطئ". فسنده حسن. وتابعه عيسى بن طهمان عن أنس. أخرجه ابن السماك في "الأول من حديثه" (ق ٨٧/ ٢ - مخطوط) - كما في تحريم آلات الطرب ص ٥٢ - وعيسى هذا ثقة من رجال البخاري كما في "مغني الذهبي" وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب" رقم (٥٣٠١): "صدوق أفرط فيه ابن حبان، والذنب فيما استنكره من حديثه لغيره". =