للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واستدل على ذلك بقوله في حديث المسيء: "فإن انتقصت من ذلك شيئًا فقد انتقصت من صلاتك" وأنت خبير بأن هذا من محل النزاع أيضًا. لأنا نقول: الانتقاص يستلزم عدم الصحة لذلك الدليل الذي أسلفناه، ولا نسلم أن ترك مندوبات الصلاة ومسنوناتها انتقاص منها، لأنها أمور خارجة عن ماهية الصلاة، فلا يرد الإلزام بها، وكونها تزيد في الثواب لا يستلزم أنها منها، كما أن الثياب الحسنة تزيد في جمال الذات وليست منها.

نعم وقع في بعض روايات (١) الحديث بلفظ: "أَنه لما قال : فإنك لم تصل" كبر على الناس أنه من أخف صلاته لم يصل، حتى قال : "فَإنْ انتقصْتَ مِنْ ذلِكَ شَيئًا فقد انتقصْتَ مِنْ صَلاتِكَ" فكان أهون عليهم (٢). فكون هذه المقالة كانت أهون عليهم يدل على أن نفي التمام المذكور بمعنى نفي الكمال، إذ لو كان بمعنى نفي الصحة لم يكن فرق بين المقالتين، ولما كانت هذه أهون عليهم.

ولا يخفاك أن الحجة في الذي جاءنا عن الشارع من قوله وفعله وتقريره لا في فهم بعض الصحابة، سلمنا أن فهمهم حجة لكونهم أعرف بمقاصد الشارع، فنحن نقول بموجب ما فهموه ونسلم أن بين الحالتين تفاوتًا، ولكن ذلك التفاوت من جهة أن من أتى ببعض واجبات الصلاة فقد فعل خيرًا من قيام وذكر وتلاوة، وإنما يؤمر بالإعادة لدفع عقوبة ما ترك، وترك الواجب سبب للعقاب، فإذا كان يعاقب بسبب ترك البعض لزمه أن يفعله إن أمكن فعله وحده، وإلا فعله مع غيره والصلاة لا يمكن فعل المتروك منها إلا بفعل جميعها.

وقد أجاب بمعنى هذا الجواب الحافظ ابن تيمية حفيد المصنف (٣) وهو


(١) عند أبي داود رقم (٨٥٦) من حديث أبي هريرة. وهو حديث صحيح.
وعند أبي داود أيضًا رقم (٨٦١) من حديث رفاعة. وهو حديث صحيح.
(٢) أخرج الترمذي رقم (٣٠٢) ولفظه: "فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وإن انتقصت منه شيئا انتقصتَ من صلاتك، قال: وكان هذا أهون عليهم من الأول، أنه من انتقص من ذلك شيئًا انتقص من صلاته، ولم تذهب كلها"، اهـ.
وهو حديث صحيح.
(٣) مجموع فتاوى ابن تيمية (٢٢/ ٥٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>