للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بنوا على قاعدتهم أنها مع الوجوب ليست شرطًا في صحة الصلاة لأن وجوبها إنما ثبت بالسنة (١) والذي لا تتم الصلاة إلا به فرض والفرض عندهم لا يثبت بما يزيد على القرآن، وقد قال تعالى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ (٢) فالفرض قراءة ما تيسر، وتعيين الفاتحة إنما يثبت بالحديث فيكون واجبًا يأثم من يتركه وتجزئ الصلاة بدونه وهذا تعويل على رأي فاسد حاصله رد كثير من السنة المطهرة بلا برهان ولا حجة نيرة فكم موطن من المواطن يقول فيه الشارع لا يجزئ كذا لا يقبل كذا لا يصح كذا، ويقول المتمسكون بهذا الرأي يجزئ ويقبل ويصح ولمثل هذا حذر السلف من أهل الرأي.

ومن جملة ما أشادوا به هذه القاعدة أن الآية مصرحة بما تيسر وهو تخيير فلو تعينت الفاتحة لكان التعيين نسخًا للتخيير والقطعي لا ينسخ بالظني فيجب توجيه النفي إلى الكمال وهذه الكلية ممنوعة.

والسند ما تقدم من تحوّل أهل قباء إلى الكعبة بخبر واحد ولم ينكر عليهم النبيّ بل مدحهم كما تقدم في باب الاستقبال (٣)، ولو سلمت لكان محل النزاع خارجًا عنها لأن المنسوخ إنما هو استمرار التخيير وهو ظني (٤)، وأيضًا الآية نزلت في قيام الليل فليست مما نحن فيه.

وأما قولهم إن الحمل على توجيه النفي إلى الصحة إثبات للغة بالترجيح وأن الصحة عُرف متجدد لأهل الشرع فلا يحمل خطاب الشارع عليه. وإن تصحيح الكلام ممكن بتقدير الكمال فيكفي، لأن الواجب التقدير بحسب الحاجة فيرده تصريح الشارع بلفظ الإجزاء، وكونه من إثبات اللغة بالترجيح ممنوع بل هو من إلحاق الفرد المجهول بالأعم الأغلب المعلوم.


(١) كحديث عبادة بن الصامت، وأنس بن مالك، وأبي سعيد الخدري وأبي الدرداء وغيرهم كما في حديث (٣٢/ ٦٩٣) من كتابنا هذا، وانظر: "البناية" (٢/ ١٨٣ - ١٨٤).
(٢) سورة المزمل: الآية ٢٠.
(٣) الباب الأول عند الحديث رقم (٢/ ٦٥٥) من كتابنا هذا.
(٤) انظر: "إرشاد الفحول" (ص ٦٢٨) بتحقيقي، والاعتبار للحازمي ص ٢٦ والمسودة ص ٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>