للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فمن بعدهم (١). وهو مذهب العترة (٢) لأن النفي المذكور في الحديث يتوجه إلى الذات إن أمكن انتفاؤها، وإلا توجه إلى ما هو أقرب إلى الذات وهو الصحة لا إلى الكمال لأن الصحة أقرب المجازين والكمال أبعدهما، والحمل على أقرب المجازين واجب.

وتوجه النفي ههنا إلى الذات ممكن كما قال الحافظ في الفتح (٣): لأن المراد بالصلاة معناها الشرعي لا اللغوي لما تقرر من أن ألفاظ الشارع محمولة على عرفه لكونه بعث لتعريف الشرعيات لا لتعريف الموضوعات اللغوية، وإذا كان المنفي الصلاة الشرعية استقام نفي الذات لأن المركب كما ينتفي بانتفاء جميع أجزائه ينتفي بانتفاء بعضها فلا يحتاج إلى إضمار الصحة. ولا الإجزاء ولا الكمال، كما روي عن جماعة، لأنه إنما يحتاج إليه عند الضرورة وهي عدم إمكان انتفاء الذات، ولو سلم أن المراد هنا الصلاة اللغوية فلا يمكن توجه النفي إلى ذاتها لأنها قد وجدت في الخارج كما قاله البعض لكان المتعين توجيه النفي إلى الصحة أو الإجزاء لا إلى الكمال أما أولًا فلما ذكرنا من أن ذلك أقرب المجازين وأما ثانيًا فلرواية الدارقطني (٤) المذكورة في الحديث فإنها مصرحة بالأجزاء فيتعين تقديره.

إذا تقرر هذا فالحديث صالح للاحتجاج به على أن الفاتحة من شروط الصلاة لا من واجباتها فقط، لأن عدمها قد استلزم عدم الصلاة وهذا شأن الشرط.

وذهبت الحنفية (٥) وطائفة قليلة إلى أنها لا تجب بل الواجب آية من القرآن، هكذا قال النووي (٦).

والصواب ما قاله الحافظ (٧) أن الحنفية يقولون بوجوب قراءة الفاتحة لكن


(١) انظر: "المغني" لابن قدامة (٢/ ١٥٤).
(٢) انظر: "البحر الزخار" (١/ ٢٤٧).
(٣) (٢/ ٢٤١).
(٤) في سننه (١/ ٣٢١ - ٣٢٢) رقم (١٧) وقال: إسناده صحيح. وقد تقدم.
(٥) انظر: "البناية في شرح الهداية" (٢/ ١٧٨).
(٦) في شرحه لصحيح مسلم (٤/ ١٠٢).
(٧) في "الفتح" (٢/ ٢٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>