قال بعض أصحابنا: ويستحب إذا قرأ سورة أن يقرأ بعدها التي تليها، ودليل هذا أن ترتيب المصحف، إنما جعل هكذا لحكمة، فينبغي أن يحافظ عليها إلا فيما ورد الشرع باستثنائه، كصلاة الصبح يوم الجمعة، يقرأ في الأولى سورة (السجدة) وفي الثانية: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ﴾ [الإنسان: ١]. وصلاة العيد في الأولى: ﴿ق﴾ وفي الثانية: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ [القمر: ١] وركعتي سنة الفجر، وفي الأولى: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١)﴾ وفي الثانية: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)﴾ وركعات الوتر، وفي الأولى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)﴾ وفي الثانية: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١)﴾، وفي الثالثة: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)﴾ والمعوذتين. ولو خالف الموالاة فقرأ سورة لا تلي الأولى أو خالف الترتيب فقرأ سورة، ثم قرأ سورة قبلها جاز. فقد جاء بذلك آثار كثيرة. وقد قرأ عمر بن الخطاب ﵁، في الركعة الأولى من الصبح بـ (الكهف) وفي الثانية بـ (يوسف). وقد كره جماعة مخالفة ترتيب المصحف. وروى ابن أبي داود عن الحسن: أنه كان يكره مخالفة ترتيب المصحف. وبإسناده الصحيح عن عبد الله بن مسعود ﵁، أنه قيل له: إن فلانًا يقرأ القرآن منكوسًا؟ فقال: ذلك منكوس القلب. وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فممنوع منعًا مؤكدًا، فإنه يذهب بعض ضروب الإعجاز، ويزيل حكمة ترتيب الآيات، وقد روى ابن أبي داود عن إبراهيم النخعي الإمام التابعي الجليل، والإمام مالك بن أنس، أنهما كرها ذلك، وأن مالكًا كان يعيبه، ويقول هذا عظيم. وأما تعليم الصبيان من آخر المصحف إلى أوله فحسن ليس من هذا الباب، فإن ذلك قراءة متفاصلة، في أيام متعددة مع ما فيه من تسهيل الحفظ عليهم. والله أعلم. اهـ.