للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن حديث أبي هريرة عند ابن حبان (١) بلفظ: "كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد"، وأصله في البخاري (٢) كما سيأتي.

وستعرف الأدلة الدالة على ترك مطلق القنوت ومقيده، وقد حاول جماعة من حذاق الشافعية الجمع بين الأحاديث بما لا طائل تحته وأطالوا الاستدلال على مشروعية القنوت في صلاة الفجر في غير طائل.

وحاصله ما عرَّفناك، وقد طول المبحث الحافظ ابن القيم في الهدي (٣) وقال ما معناه: الإنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف أنه قنت وترك وكان تركه للقنوت أكثر من فعله، فإنه إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم وللدعاء على آخرين، ثم تركه لما قدم من دعا لهم وخلصوا من الأسر، وأسلم من دعا عليهم وجاؤوا تائبين، وكان قنوته لعارض فلما زال ترك القنوت.

وقال في غضون ذلك المبحث: أن أحاديث أنس كلها صحاح يصدق بعضها بعضًا [ولا تتناقض] (٤) وحمل قول أنس ما زال يقنت حتى فارق الدنيا (٥) على إطالة القيام بعد الركوع وقد أَسلفنا الأدلة على مشروعية ذلك في باب الجلسة بين السجدتين.

وأجاب عن تخصيصه بالفجر بأنه وقع بحسب سؤال السائل فإنه إنما سأل أنسًا عن قنوت الفجر فأجابه عما سأله عنه وبأنه كان يطيل صلاة الفجر دون سائر الصلوات قال: ومعلوم أنه كان يدعو ربه ويثني عليه ويمجده في هذا الاعتدال، وهذا قنوت منه بلا ريب فنحن لا نشك ولا نرتاب أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا.

ولما صار القنوت في لسان الفقاء وأكثر الناس هو هذا الدعاء المعروف: "اللهم اهدني فيمن هديت إلخ" (٦)، وسمعوا أنه لم يزل يقنت في الفجر


(١) في صحيحه رقم (١٩٨٦).
(٢) في صحيحه رقم (٤٥٦٠). وسيأتي برقم (٤٦/ ٨٦٧) من كتابنا هذا.
(٣) في زاد المعاد (١/ ٢٦).
(٤) في المخطوط (ب): (ولا تناقض).
(٥) وهو حديث ضعيف تقدم وفيه أبو جعفر الرازي.
(٦) سيأتي تخريجه برقم (٤١/ ٩٣٢) من كتابنا هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>