للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدم ولا فرق بينه وبينها إجماعًا. قال: وهو قول الجمهور (١) أي: تعين الماء لإزالة النجاسة، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف (٢): يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر" وهو مذهب الداعي من أهل البيت، واحتجوا بقول عائشة (٣): "ما كان لإحدانا إلَّا ثوبٌ واحدٌ تَحِيضُ فيه، فإذا أصابهُ شيءٌ مِنْ دَمِ الحيض قالتْ بِريقها فمصعتْهُ بظُفْرِها". وأجيب بأنها ربما فعلت ذلك تحليلًا لأثره ثم غسلته بعد ذلك.

والحق أن الماء أصل في التطهير لوصفه بذلك كتابًا وسنة وصفًا مطلقًا غير مقيَّد، لكن القول بتعينه وعدم إجزاء غيره يرده حديث مسح النعل (٤) وفرك المني (٥) وحته وإماطته بإذخرة وأمثال ذلك كثير (٦)، ولم يأت دليل يقضي بحصر التطهير في الماء، ومجرد الأمر به في بعض النجاسات لا يستلزم الأمر به مطلقًا، وغايته تعينه في ذلك المنصوص بخصوصه إن سلم، فالإنصاف أن يقال: إنه يطهر كل فرد من أفراد النجاسة المنصوص على تطهيرها بما اشتمل عليه النص، إن كان فيه إحالة على فرد من أفراد المطهِّرات، لكنه إن كان ذلك الفرد المحال عليه هو الماء فلا يجوز العدول إلى غيره للمزية التي اختص بها وعدم مساواة غيره له فيها، وإن كان ذلك الفرد غير الماء جاز العدول عنه إلى الماء لذلك، وإن وجد فرد من أفراد النجاسة لم يقع من الشارع الإحالة في تطهيره على فرد من أفراد المطهِّرات، بل مجرد الأمر بمطلق التطهير، فالاقتصار على الماء هو اللازم لحصول الامتثال به بالقطع وغيره مشكوك فيه، وهذه طريقة متوسطة بين القولين لا محيص عن سلوكها.

فإن قلت: مجرد وصف الماء بمطلق الطهورية لا يوجب له المزية، فإن التراب يشاركه في ذلك. قلت: وصف التراب بالطهورية مقيد بعدم وجدان الماء


(١) انظر: "المغني" لابن قدامة (١/ ١٦). و "بداية المجتهد" (١/ ٢٠٨) بتحقيقي.
(٢) انظر: "شرح فتح القدير" (١/ ١٩٤) وبدائع الصنائع (١/ ٨٣ - ٨٧).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه (١/ ٤١٢ رقم ٣١٢).
(٤) سيأتي تخريجه في كتابنا هذا رقم (١٠/ ٢٨).
(٥) سيأتي تخريجه في كتابنا هذا رقم (٢٣/ ٤١).
(٦) كحديث ابن عباس في طهر الإهاب بالدباغ رقم (٣٨/ ٥٦) من كتابنا هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>