للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الفتح (١): وهو إجماع، وعلى أن الأمر بالوضوء منه كالأمر بالوضوء من البول، وعلى أنه يتعين الماء في تطهيره لقوله: "كفًا من ماء وحفنة من ماء". واتفق العلماء على أن المذي نجس (٢)، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الإمامية محتجين بأن النضح لا يزيله، ولو كان نجسًا لوجبت الإزالة، ويلزمهم القول بطهارة العذرة، لأن النبي أمر بمسح النعل منها بالأرض والصلاة فيها، والمسح لا يزيلها وهو باطل بالاتفاق.

وقد اختلف أهل العلم في المذي إذا إصاب الثوب فقال الشافعي (٣) وإسحق وغيرهما: لا يجزيه إلا الغسل أخذًا برواية الغسل، وفيه ما سلف على أن رواية الغسل إنما هي في الفرج لا في الثوب الذي هو محل النزاع فإنه لم يعارض رواية النضح المذكورة في الباب معارض، فالاكتفاء به صحيح مجز (٤).

واستدل أيضًا بما في الباب على وجوب غسل الذكر والأنثيين على المُمذي وإن كان محل المذي بعضًا منهما، وإليه ذهب الأوزاعي وبعض الحنابلة وبعض المالكية، وذهبت العترة والفريقان وهو قول الجمهور إلى أن الواجب غسل المحل الذي أصابه المذي من البدن، ولا يجب تعميم الذكر والأنثيين، ويؤيد ذلك ما عند الإسماعيلي (٥) في رواية بلفظ: "توضأ واغسله"، فأعاد الضمير على المذي.

ومن العجيب أن ابن حزم (٦) مع ظاهريته ذهب إلى ما ذهب إليه الجمهور وقال: إيجاب غسل كله شرع لا دليل عليه، وهذا بعد أن روى حديث: "فليغسل ذكره"، وحديث: "واغسل ذكرك"، ولم يقدح في صحتهما، وغاب عنه أن الذكر حقيقة لجميعه ومجازًا لبعضه، وكذلك الأنثيان حقيقة لجميعهما، فكان اللائق بظاهريته الذهاب إلى ما ذهب إليه الأوّلون.


(١) في فتح الباري (١/ ٣٨٠).
(٢) قال النووي في "المجموع" (٢/ ٥٧١): "أجمعت الأمة على نجاسة المذي والودي".
وانظر: "البحر الزخار" (١/ ١٠)؛ و "موسوعة الإجماع" لسعدي أبو جيب (٢/ ١٠٣٩).
(٣) انظر: "المجموع" (٢/ ٥٧١ - ٥٧٢).
(٤) انظر: "المغني مع الشرح الكبير" (١/ ٧٦٧ - ٧٦٨).
(٥) ذكره الحافظ في فتح الباري (١/ ٣٨٠).
(٦) انظر: "المحلى" (١/ ١٠٦ - ١٠٧ رقم ١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>