للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فمعنى الحديث: فليقصد الصواب فيعمل به، وقصد الصواب هو ما بينه في حديث أبي سعيد (١) وغيره.

وقد قدمنا طرفًا من الخلاف في كون التحرّي والبناء على اليقين شيئًا واحدًا أم لا.

وفي القاموس (٢) أن التحرّي: التعمد وطلب ما هو أحرى بالاستعمال.

قال النووي (٣): فإن قالت الحنفية حديث أبي سعيد لا يخالف ما قلنا لأنه ورد في الشكّ وهو ما استوى طرفاه، ومن شكّ ولم يترجح له أحد الطريقين يبني على الأقلّ بالإجماع، بخلاف من غلب على ظنه أن صلى أربعًا مثلًا.

فالجواب أن تفسير الشكّ بمستوى الطرفين إنما هو اصطلاح طارئ للأصوليين.

وأما في اللغة (٤) فالتردّد بين وجود الشيء وعدمه كله يسمى شكًا، سواء المستوي والراجح والمرجوح.

والحديث يحمل على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية، ولا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح انتهى.

والذي يلوح لي أنه لا معارضة بين أحاديث البناء على الأقلّ والبناء على اليقين وتحرّي الصواب، وذلك لأن التحرّي في اللغة (٥) كما عرفت هو طلب ما هو أحرى إلى الصواب، وقد أمر به ، وأمر بالبناء على اليقين والبناء على الأقلّ عند عروض الشكّ، فإن أمكن الخروج بالتحرّي عن دائرة الشك لغة ولا


(١) سيأتي برقم (٥/ ١٠٢٠) من كتابنا هذا.
(٢) القاموس المحيط (ص ١٦٤٤).
(٣) في شرحه لصحيح مسلم (٥/ ٦٣).
(٤) قال الراغب الأصفهاني في "المفردات" (ص ٤٦٠١ - ٤٦٠٢): الشكُّ: اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما، وذلك قد يكون لوجود أمَارَتين متساويتين عنده في النقيضين أو لعدم الأمارة فيهما. والشكُّ ربما كان في الشيء هل موجود أو غير موجود؟ وربما كان في جنسه، من أي جنس هو؟ وربما كان في بعض صفاته وربما كان في الفرض الذي لأجله أُوجد.
(٥) قال ابن الأثير في النهاية (١/ ٣٧٦).
التحري: القصد والاجتهاد في الطلب، والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول.

<<  <  ج: ص:  >  >>