للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تعالى بتقديم اسمه كما قال في الحديث الآخر (١): "لا يقل أحدكم: ما شاءَ الله وشاءَ فلانٌ، ولكن ليقل: ما شاءَ الله ثم ما شاءَ فلانٌ".

ويرد على هذا ما قدّمنا من جمعه بين ضمير الله وضميره.

ويمكن أن يقال: إن النبيّ إنما أنكر على ذلك الخطيب التشريك لأنه فهم منه اعتقاد التسوية فنبهه على خلاف معتقده، وأمره [بتقديم] (٢) اسم الله على اسم رسوله ليعلم بذلك فساد ما اعتقده (٣).

قوله: (فقد غوى) بفتح الواو وكسرها، والصواب الفتح كما في شرح


(١) وهو حديث صحيح.
أخرجه أحمد في المسند (٥/ ٣٨٤) والطيالسي رقم (٤٣٠) وأبو داود رقم (٤٩٨٠) والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (٩٨٥) والبيهقي في السنن الكبرى (٣/ ٢١٦) وغيرهم من حديث حذيفة.
(٢) في المخطوط (أ): (بتقدم).
(٣) قال الشافعي في "الأم" (٢/ ٤١٥ - ٤١٦) كلامًا طيبًا حول هذه المسألة: فقال: "يجوز أن تقول: "ومن يعص الله ورسوله فقد غوى"، لأنك أفردت معصية الله جل وعز، وقلت: "ورسوله" استئناف كلام.
وقد قال الله : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]. وهذا وإن كان في سياق الكلام استئناف كلام.
قال: ومن أطاع الله فقد أطاع رسوله، ومن عصى الله فقد عصى رسوله، ومن أطاع رسوله فقد أطاع الله، ومن عصى رسوله فقد عصى الله، لأن رسول الله عبد من عباده، قام في خَلْق الله بطاعة الله. وفرض الله على عباده طاعته، لما وفقه الله تعال من رشده، ومن قال: "ومن يعصهما" كرهت ذلك القول له حتى يفرد اسم الله ﷿، ثم يذكر بعده اسم رسوله ، لا يذكره إلا منفردًا …
ثم قال الشافعي: وابتداء المشيئة مخالفة للمعصية؛ لأن طاعة رسول الله ومعصيته تبع طاعة الله ومعصيته؛ لأن الطاعة والمعصية منصوصتان بفرض الطاعة من الله ﷿، فأمر بها رسول الله فجاز أن يقال فيه: من يطع الله ورسوله، ومن يعص الله ورسوله لما وصفت، والمشيئة إرادة الله تعالى.
قال الشافعي: قال الله ﷿: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)﴾ [التكوير: ٢٩]، فأعلم خلقه أن المشيئة له دون خلقه، وأن مشيئتهم لا تكون إلا أن يشاء الله ﷿. فيقال لرسول الله : ما شاء الله ثم شئت. ويقال: من يطع الله ورسوله، على ما وصفتُ من أن الله تَعبَّدَ الخَلْقَ بأن فرض طاعة رسول الله ، فإذا أطيع رسول الله فقد أطيع الله بطاعة رسوله" اهـ.
• وانظر ما قاله القرطبي في "المفهم" (٢/ ٥١٠ - ٥١٢) حول الموضوع نفسه فإنه مفيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>