للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المعمورة على القبور (١)، وأيضًا هو من اتخاذ القبور مساجد، وقد لعن النبيّ فاعل ذلك كما سيأتي (٢)، وكم قد سرّي عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام:

(منها) اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع [الضر] (٣) فجعلوها مقصدًا لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب وسألوا منه ما يسأله العباد من ربهم، وشدّوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا (٤).

وبالجملة إنهم لم يدعوا شيئًا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ويغتار حمية للدين الحنيف لا عالمًا ولا متعلمًا ولا أميرًا ولا وزيرًا ولا ملكًا، وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيرًا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرًا، فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الوفي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحقّ.

وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة، فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين، أيّ رزء للإسلام أشدّ من الكفر، وأيّ بلاء لهذا الدين أضرّ عليه من عبادة غير الله؟ وأيّ مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة؟ وأيّ منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبًا:

لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيًا … ولكن لا حياةَ لمن تُنَادي

ولو نارًا نفخْتَ بها أضاءَتْ … ولكن أنتَ تَنْفُخُ في رَمَادِ


(١) سيأتي حديث جابر برقم (١٤٧٤) من كتابنا هذا.
(٢) برقم (١٤٨٥ و ١٤٨٦) من كتابنا هذا.
(٣) في المخطوط (أ): (الضرر).
(٤) انظر: "شرح الصدور في تحريم رفع القبور" ضمن "الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني" (٦/ ٣٠٧٥ - ٣١١٤ رقم الرسالة ٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>