للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد رجح هذا الإسماعيلي (١) وقال: قد كثر كلام العلماء في هذه المسألة وقال كلّ فيها باجتهاده على حسب ما قدّر له.

ومن أحسن ما حضرني وجه لم أرهم ذكروه، وهو أنهم كانوا في الجاهلية يغزون ويسبون ويقتلون، وكان أحدهم إذا مات بكته باكيته بتلك الأفعال المحرّمة؛ فمعنى الخبر أن الميت يعذّب بذلك الذي يبكي عليه أهله به؛ لأن الميت يندب بأحسن أفعاله، وكانت محاسن أفعالهم ما ذكر وهي زيادة ذنب في ذنوبه يستحقّ عليها العقاب.

(ومنها) أن معنى التعذيب توبيخ الملائكة له بما يندبه أهله، ويدلّ على ذلك حديث أبي موسى (٢) وحديث النعمان بن بشير (٣) الآتيان:

(ومنها) أن معنى التعذيب: تألم الميت بما يقع من أهله من النياحة وغيرها، وهذا اختيار أبي جعفر الطبري (٤)، ورجحه ابن المرابط وعياض (٥) ومن تبعه، ونصره ابن تيمية (٦) وجماعة من المتأخرين.

واستدلوا لذلك بما أخرجه ابن أبي خيثمة وابن أبي شيبة (٧) والطبراني (٨)


(١) حكاه الحافظ في "الفتح" (٣/ ١٥٥).
(٢) سيأتي برقم (١٥١٥) من كتابنا هذا.
(٣) سيأتي برقم (١٥١٦) من كتابنا هذا.
(٤) حكاه الحافظ في "الفتح" (٣/ ١٥٥).
(٥) في إكمال المعلم بفوائد مسلم (٣/ ٣٧١ - ٣٧٢).
(٦) في "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (٢٤/ ٣٧٤ - ٣٧٥) ولفظه:
"وأما تعذيب الميت: فهو لم يقل: إن الميت يعاقب ببكاء أهله عليه. بل قال: "يعذب" والعذاب أعم من العقاب، فإن العذاب هو الألم، وليس كل من تألم بسبب كان ذلك عقابًا له على ذلك السبب.
فإن النبي قال: "السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه" - البخاري رقم (١٨٠٤) ومسلم رقم (١٧٩) - فسمى السفر عذابا، وليس هو عقابًا على ذنب.
والإنسان يعذب بالأمور المكروهة التي يشعر بها، مثل الأصوات الهائلة، والأرواح الخبيثة، والصور القبيحة، فهو يتعذب بسماع هذا، وشم هذا، ورؤية هذا، ولم يكن ذلك عملًا له عوقب عليه، فكيف ينكر أن يعذب الميت بالنياحة، وإن لم تكن النياحة عملًا له يعاقب عليه؟ … " اهـ.
(٧) في المصنف (٣/ ٣٩١ - ٣٩٢).
(٨) في المعجم الكبير (ج ٢٥ رقم ١).
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٦/ ١٢) وقال: رجاله ثقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>