للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والنسيان، أو على أنه سمع بعضًا ولم يسمع بعضًا بعيد، لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون وهم جازمون، فلا وجه للنفي مع إمكان حمله على محمل صحيح.

(ومنها) أن ذلك يقع لمن أهمل نهي أهله عن ذلك وهو قول داود وطائفة.

قال ابن المرابط (١): إذا علم المرء ما جاء في النهي عن النوح وعرف أن أهله من شأنهم أن يفعلوا ذلك ولم يعلمهم بتحريمه ولا زجرهم عن تعاطيه، فإذا عذّب على ذلك عذّب بفعل نفسه لا بفعل غيره بمجرّده.

(ومنها) أنه يعذّب بسبب الأمور التي يبكيه أهله بها ويندبونه لها، فهم يمدحونه بها وهو يعذّب بصنيعه، وذلك كالشجاعة فيما لا يحلّ، والرياسة المحرّمة، وهذا اختيار ابن حزم (٢) وطائفة.

واستدلّ بحديث ابن عمر المتقدم (٣) بلفظ: "ولكن يعذّب بهذا"، وأشار إلى لسانه.


= قوله : "إن الميت ليعذب ببكاء أهله"، اختلف في معناه على أقوال: فأنكرته عائشة وصرحت بتخطئة الناقل أو نسيانه، وحملَها على ذلك: أنها لم تسمعه كذلك، وإنَّه معارَضٌ بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: ١٦٤]، وهذا فيه نظر؛ أمَّا إنكارُها ونسبةُ الخطأ لراويه فبعيدٌ، وغير بيِّن، ولا واضح، وبيانه من وجهين:
(أحدهما): أن الرواة لهذا المعنى كثير؛ عمر، وابن عمر، والمغيرة بن شعبة، وقيلة بنت مخرمة وهم جازمون بالرِّواية، فلا وجه لتخطئتهم، وإذا أُقدِم على ردِّ خبر جماعةٍ مثل هؤلاء مع إمكان حَمْله على محمل الصحيح فلأن يُرَدَّ خبر راوٍ واحد أولى، فرد خبرها أولى، على أن الصحيح: ألا يردَّ واحدٌ من تلك الأخبار، ويُنظر في معانيها كما نبينُه.
(وثانيهما): أنه لا معارضة بين ما روتْ هي ولا ما رَوَوْا هُمْ، إذ كلُّ واحدٍ منهم أخبر عمَّا سمع وشاهد، وهما واقعتان مختلفتان، وأما استدلالُها على ردِّ ذلك بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: ١٦٤] فلا حجة فيه ولا معارضة بين هذه الآية والحديث … " اهـ.
(١) حكاه الحافظ في "الفتح" (٣/ ١٥٤ - ١٥٥).
(٢) المحلى (٥/ ١٤٨).
(٣) برقم (١٥٠٣) من كتابنا هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>