للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومن أدلة هذا التأويل حديث النعمان بن بشير الآتي (١)، وكذلك حديث أبي موسى (٢) لما فيهما من أن ذلك يبلغ الميت.

قال ابن المرابط: حديث قَيْلة نصّ في المسألة فلا يعدل عنه.

واعترضه ابن رشيد فقال: ليس نصًا وإنما هو محتمل. فإن قوله: يستعبر إليه صويحبه، ليس نصًا في أن المراد به الميت، بل يحتمل أن يراد به صاحبه الحيّ، وأن الميت حينئذٍ يعذّب ببكاء الجماعة عليه.

قال في الفتح (٣): ويحتمل أن يجمع بين هذه التأويلات فينزل على اختلاف الأشخاص؛ بأن يقال مثلًا: من كان طريقته النوح فمشى أهله على طريقته أو بالغ فأوصاهم بذلك عذّب بصنيعه، ومن كان ظالمًا فندب أفعاله الجائرة عذّب بما ندب به، ومن كان يعرف من أهله النياحة وأهمل نهيهم عنها فإن كان راضيًا بذلك التحق بالأول، وإن كان غير راض عذّب بالتوبيخ كيف أهمل النهي، ومن سلم من ذلك كله واحتاط فنهى أهله عن المعصية ثم خالفوه وفعلوا ذلك كان تعذيبه تألمه بما يراه منهم من مخالفة أمره وإقدامهم على معصية ربهم ﷿.

قال: وحكى الكرماني (٤) تفصيلًا آخر وحسنه، وهو التفرقة بين حال البرزخ وحال يوم القيامة، فيحمل قوله [تعالى] (٥): ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: ١٦٤]، على يوم القيامة، وهذا الحديث وما أشبهه على البرزخ، انتهى.

وأنت خبير بأن الآية عامة؛ لأن الوزر المذكور فيها واقع في سياق النفي، والأحاديث المذكورة في الباب مشتملة على وزر خاصّ، وتخصيص العمومات القرآنية بالأحاديث الآحادية هو المذهب المشهور الذي عليه الجمهور (٦)، فلا


(١) برقم (١٥١٦) من كتابنا هذا.
(٢) برقم (١٥١٥) من كتابنا هذا.
(٣) (٣/ ١٥٥).
(٤) في شرحه لصحيح البخاري (٧/ ٨٥ - ٨٦).
(٥) زيادة من المخطوط (ب).
(٦) انظر: "إرشاد الفحول" (ص ٥٢١ - ٥٢٥) ثم قال في ختام بحثه:
"وهكذا يجوز التخصيصُ لعموم الكتاب، وعموم المتواتر من السنة، بما ثبت من فعله إذا لم يدلَّ دليل على اختصاصه به، كما يجوز بالقول. =

<<  <  ج: ص:  >  >>