للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"مَنْ دفنتُم اليومَ هاهنَا" فدلَّ على أَنَّهُ لم يحضرهُما، وقدِ اختُلِفَ في المقبورْينِ فقيلَ: كانا كافريْنِ، وبهِ جزمَ أبو موسى المدينيُّ، واستدل بما وقعَ في حديثِ جابرٍ (١) أنهُ : "مرَّ على قبرينِ من بني النَّجَّارِ هَلَكَا في الجاهليةِ" وفي إسنادِهِ ابنُ لهيعةَ. وجزمَ ابنُ العطَّارِ في شَرْحِ العمدةِ بأنَّهُمَا كانا مسلميْنِ، قالَ: لأنّهما لو كانا كافِرَيْنِ لم يدعُ لهما بتخفيفِ العذابِ، ولا ترجَّاهُ لهما، ولو كانَ ذلكَ من خصائِصهِ لبيَّنه كما في قصَّةِ أبي طالبٍ.

قالَ الحافِظُ (٢): "الظاهِرُ من مجموعِ طُرُقِ حديثِ البابِ أنَّهما كانا مُسلمينِ، ففي رواية ابن ماجَهْ (٣): "مرَّ بقبرينِ جديدَيْنِ" فانتفَى كونُهما في الجاهليةِ. وفي حديثِ أَبي أُمَامَةَ عندَ أحمد (٤) "أنَّهُ مرَّ بالبقيعِ فقالَ: مَنْ دفنُتُمُ اليومَ هَاهُنَا" كما تقدَّمَ، فهذا يدلُّ على أنَّهما كانا مُسلمينِ لأنَّ البقيعَ مقبرةُ المسلمينَ، قالَ: ويؤيِّدُهُ ما في روايةِ أبي بكرة عندَ أحمدَ (٥) والطبراني (٦) بإسنادٍ صحيحٍ: "يُعذَّبانِ، وما يُعذَّبانِ في كبيرٍ، وبَلَى وما يُعَذَّبانِ إلا في الغيبةِ والبولِ"، فهذا الحصْرُ ينفِي كونَهُمَا كانا كافريْنِ لأنَّ الكافِرَ يُعذَّبُ على كُفْرِهِ بلا خلافٍ.

قالَ: وأمَّا ما احتجَّ بهِ أبو موسى فهو ضعيفٌ كما اعترفَ بهِ. وقد رواهُ


(١) أخرجه أحمد في المسند (٣/ ٢٩٥ - ٢٩٦) وفيه تصريح أبي الزبير بالسماع من جابر فانتفت علة تدليسه.
وأخرجه البزار (١/ ٤١٢ رقم ٨٧١ - كشف) والطبراني في الأوسط رقم (٤٦٢٨).
وأورده الهيثمي في "المجمع" (٣/ ٥٥) وقال: "رواه أحمد، والبزار. وقال الطبراني في الأوسط: عن جابر قال: مرَّ رسول الله قبور نساء من بني النجار هلكوا في الجاهلية فسمعهم يعذبون في القبور في النميمة. ورجال أحمد رجال الصحيح. وفي إسناد الطبراني ابن لهيعة وفيه كلام" اهـ. وخلاصة القول أن الحديث صحيح، والله أعلم.
(٢) في "فتح الباري" (١/ ٣٢١).
(٣) رقم (٣٤٧) وقد تقدم.
(٤) في المسند رقم (٢٢١٩٣) بسند حسن وقد تقدم.
(٥) في المسند (٥/ ٣٥).
(٦) في "الأوسط" رقم (٣٧٤٧).
وأورده الهيثمي في "المجمع" (١/ ٢٠٧ - ٢٠٨) وقال: رجاله موثقون.
قلت: وأخرجه ابن ماجه مختصرًا رقم (٣٤٩) بسند حسن. وقد تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>