للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= فالمنقول عن الصحابة، يقتضي جوازه، وهو الذي كان يفعلُه ابنُ عمر، وعائشة. هذا مع رواية عائشة أن النبي كان إذا غُمَّ هلال شعبان، عدَّ ثلاثين يومًا ثم صام.
وقد رُدَّ حديثُها هذا، بأنه لو كان صحيحًا، لما خالفته، وجعل صيامها علةً في الحديث، وليس الأمر كذلك، فإنها لم توجب صيامه، وإنما صامته احتياطًا، وفهمت من فعل النبي وأمره أن الصيامَ لا يجبُ حتى تكمل العدة، ولم تفهم هي ولا ابن عمر أنه لا يجوز.
وهذا أعدل الأقوال في المسألة، وبه تجتمع الأحاديث والآثار …
ويدل على أنهم إنما صاموه استحبابًا وتحرِّيًا، ما رُوي عنهم من فطره بيانًا للجواز، فهذا ابن عمر قد قال حنبل في مسائله: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد العزيز بن حكيم الحضرمي قال: سمعت ابن عمر يقول: لو صمت السنة كلَّها لأفطرتُ اليوم الذي يُشكُّ فيه.
- إسناده صحيح -.
قال حنبل: وحدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبيدة بنُ حُميد قال: أخبرنا عبد العزيز بن حكيم قال: سألوا ابن عمر قالوا: نَسْبِقُ قبل رمضان حتى لا يفوتنا منه شيء؟ فقال: أُفٍّ، أُفٍّ، صوموا مع الجماعة.
- إسناده صحيح -.
فقد صح عن ابن عمر، أنه قال: لا يتقدمَنَّ الشهر منكم أحدٌ.
وصح عنه أنه قال: "صوموا لرؤية الهلال، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدُّوا ثلاثين يومًا".
• وكذلك قال عليُّ بن أبي طالب : "إذا رأيتم الهلال، فصوموا لرؤيته، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم، فأكملوا العدَّة".
• وقال ابن مسعود : "فإن غم عليكم، فعدوا ثلاثين يومًا".
فهذه الآثار إن قُدِّر أنها معارضة لتلك الآثار التي رُويت عنهم في الصوم، فهذه أولى لموافقتها النصوص المرفوعة لفظًا ومعنى.
وإن قُدِّرَ أنها لا تعارض بينها، فهاهنا طريقتان من الجمع:
(إحداهما): حملها على غيرِ صورة الإغمام، أو على الإغمام في آخر الشهر كما فعله الموجبون للصوم.
(والثانية): حملُ آثار الصوم عنهم على التحري والاحتياط استحبابًا لا وجوبًا، وهذه الآثار صريحة في نفي الوجوب. وهذه الطريقة أقربُ إلى موافقة النصوص وقواعد الشرع، وفيها السلامة من التفريق بين يومين متساويين في الشك، فيُجعلُ أحدهما يوم شك، والثاني يومَ يقين، مع حصولِ الشك فيه قطعًا، وتكليف العبد اعتقاد كونه من رمضان قطعًا، مع شكِّه هل هو منه، أم لا؟ تكليفٌ بما لا يُطاق وتفريق بين المتماثلين، والله أعلم" اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>