للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واحتج غيره لذلك بأن المصادر التي جاءت على فعول بفتح أوله قليلة، ذكرها سيبويه (١) وغيره وليس هذا منها، والخلوف: تغير رائحة الفم.

قوله: (أطيب عند الله من ريح المسك)، اختلف في معناه، فقال المازري (٢): هو مجاز لأنها جرت العادة بتقريب الروائح الطيبة منا، فاستعير ذلك لتقريب الصائم من الله، فالمعنى أنه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم: أي يقرب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم، وإلى ذلك أشار ابن عبد البر (٣).

وإنما جعل من باب المجاز لأن الله تعال منزّه عن استطابة الروائح؛ لأن ذلك من صفات الحيوان، والله يعلم الأشياء على ما هي عليه (٤).

وقيل: المعنى: إن حكم الخلوف والمسك عند الله على خلاف ما عندكم.

وقيل: المراد أن الله يجازيه في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما يأتي: "المكلوم وريح جرحه يفوح مسكًا" (٥). قاله القاضي


(١) في "الكتاب" له (٤/ ١٥٣).
(٢) في المعلم بفوائد مسلم (٢/ ٤١).
قال ابن القيم: "وأما قوله: لخلوف فم الصائم حين يخلف"؛ فهذا الظرف تحقيق للمبتدأ، أو تأكيدًا له، وبيان إرادة الحقيقة المفهومة منه، لا مجازه، ولا استعارته، وهذا كما تقول: جهاد المؤمن حين يجاهد، وصلاته حين يصلي، يجزيه الله - تعالى - بها يوم القيامة، ويرفع بها درجته يوم القيامة.
["صحيح الوابل الصيب من الكلم الطيب" ص ٦١].
(٣) الاستذكار (١٠/ ٢٤٨ - ٢٤٩).
(٤) هذا الكلام للحافظ في "الفتح" (٤/ ١٠٥ - ١٠٦) ثم ذكر الحافظ ستة أقوال نقلًا عن بعض العلماء في معنى هذه العبارة، وكل ذلك على خلاف ظاهر الحديث.
وقد علَّق الشيخ الدرويش على كلام الحافظ في هذا الحديث، فقال: "كل هذا تأويل لا حاجة إليه، وإخراج اللفظ عن حقيقته. والصواب أنّ نسبة الاستطابة إليه سبحانه كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه، فإنها استطابة لا تماثل استطابة المخلوقين، كما أن رضاه، وغضبه، وفرحه، وكراهته، وحبّه، وبغضه لا تماثل ما للمخلوق من ذلك، كما أنّ ذاته لا تشبه ذوات المخلوقين. وصفاته لا تشبه صفاتهم، وأفعاله لا تشبه أفعالهم؛ قاله العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى - في "الوابل الصيب"، والله أعلم".
[منهج الحافظ ابن حجر في العقيدة من خلال كتابه "فتح الباري" (٢/ ٩٤٩ - ٩٥٠)].
(٥) أخرجه أحمد في المسند (٢/ ٣٩١) والبخاري في صحيحه رقم (٥٥٣٣) ومسلم في صحيحه رقم (١٠٣/ ١٨٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>