للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (الآية التي بعدها) هي الآية المذكورة في حديث معاذ الذي بعده.

قوله: (فنسختها)، قد روي عن ابن عمر كما روي عن سلمة من النسخ ذكر ذلك البخاري عنه معلقًا (١) وموصولًا (٢).

وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج (٣) والبيهقي (٤) "أن النبي قدم المدينة ولا عهد لهم بالصيام، فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل رمضان فاستكثروا ذلك وشق عليهم، فكان من يطعم مسكينًا كل يوم ترك الصيام ممن يطيقه رخص لهم في ذلك، ثم نسخه قوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ (٥)، فأمروا بالصيام".

وهذا الحديث أخرجه أيضًا أبو داود (٦) من طريق شعبة والمسعودي عن الأعمش مطولًا، وقد اختلف في إسناده اختلافًا كثيرًا، وإذا تقرر أن الإفطار والإطعام كان رخصة ثم نسخ لزم أن يصير الصيام حتمًا واجبًا، فكيف يصح الاستدلال على ذلك بقوله: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ (٥)، والخيرية لا تدل على الوجوب لدلالة قوله: ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ على المشاركة في أصل الخير.

وأجاب عن ذلك الكرماني (٧) جوابًا متكلفًا حاصله أن المراد أن الصوم خير من التطوع بالفدية والتطوع بها كان سنة والخير من السنة لا يكون واجبًا: أي لا يكون شيء خيرًا من السنة إلا الواجب، كذا قال.

فالأولى ما روي عن سلمة بن الأكوع (٨) وابن عمر (٩) أن الناسخ قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (١٠)، وإلى النسخ في حق غير الكبير ممن يطيق الصيام ذهب الجمهور (١١)، قالوا: وحكم الإطعام باق في حق من لم يطق الصيام.


(١) في صحيحه (٨/ ١٧٩ رقم الباب (٢٥) - مع الفتح) معلقًا.
(٢) في صحيحه رقم (٤٥٠٦).
(٣) عزاه إليه الحافظ في "الفتح" (٤/ ١٨٨).
(٤) في السنن الكبرى (٤/ ٢٠٠).
(٥) سورة البقرة: الآية (١٨٤).
(٦) في سننه رقم (٥٠٧).
(٧) في شرحه لصحيح البخاري (٩/ ١١٩).
(٨) تقدم تخريجه برقم (١٦٩٣) من كتابنا هذا.
(٩) تقدم، وقد أخرجه البخاري معلقًا وموصولًا برقم (٤٥٠٦).
(١٠) سورة البقرة: الآية (١٨٥).
(١١) المغني (٤/ ٣٩٣، ٣٩٤، ٣٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>